ويثني بما يعلم من أفعالهم عليهم ، حين يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] ، وفي ذلك ما يقول سبحانه ، ويحكي عن المبطلين بما قالوا في الله رب العالمين ، حين يقول : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٦] ، فوجدناه تبارك وتعالى يذكر الاجتهاد منهم له عنهم ، فقلنا فيهم بما قاله ربنا وربهم ، فتعالى أصدق الصادقين عن مقالة الفسقة الجاهلين.
ومن الدليل على معرفة حقائقهم (٤٠٨) والوقوف على محض فعلهم واجتهادهم ، تولي الله لهم ومعاداته لمن عاداهم. ألا تسمع كيف يقول الواحد ذو الجلال والطول : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٩٨] ، فذكر سبحانه وجل عن كل شأن شأنه أنه عدو لمن عاداهم ، وإذا صحت العداوة والمقاضاة منه لمن ناضاهم فقد ثبتت منه الولاية بلا شك لمن والاهم ، ألا تسمع كيف جعل من عاداهم فاجرا؟ وسماه في واضح التنزيل كافرا؟ حين يقول في آخر الآية جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) ، ولن يوالي أبدا من كان في أمره مقصرا ، ولن يشهد بالوفاء لمن كان عنده سبحانه غادرا ، فبهذا ومثله من تنزيله مما قد ذكره وبينه في وحيه وقيله ، شهدنا للملائكة المقربين بالاجتهاد في الطاعة لرب العالمين.
المسألة الثالثة والأربعون : هل يثيب الله عباده على ما أجبروا عليه؟
ثم قال تغليظا لمن كان معه على رأيه من أهل الجهالة ، وذوي الحيرة والتكمه والضلالة : نسأل من أثبت في الخلق الاستطاعة ، فيقال لهم : هل يثيب الله خلقه على ما عملوا من الطاعة ، مما لم يجعل لهم السبيل إلى تركه؟ (ثم قال) (٤٠٩) : وهل يعاقبهم على ما عملوا به
__________________
(٤٠٨) في (ب) : إحقاقهم.
(٤٠٩) سقط من (ب).