قلت : وما هذه البراهين والدلالات التي حار فيها كثير من أهل المقالات ، وتكلم فيها بالأمور العظيمات المعجبات؟
قال : قد سألت فاستقصيت ، فافهم ما نقول ، وما إليه قولنا يؤول ، ثم اعلم أنه لا تثبت نبؤة نبي في قلوب العالمين ، ولا يستدل عليها أحد من التابعين ، ولا تثبت وصيته (٤٢٠) الوصيّ (٤٢١) ، ولا حجة لحق مضى ، ولا تثبت إمامة إمام ، ولا تجب طاعته على أهل الإسلام إلا باستحقاق وعلامات ، وشرائع ودلالات ، وعلم قائم ، ودليل يدل على أنه هو صاحب ذلك المعنى ، والمتولي لجميع هذه الأشياء.
استحقاق الأنبياء وعلامتهم
فأمّا استحقاق الأنبياء صلوات الله عليهم للنبوة فهو بالطاعة منهم لله ، والاجتهاد منهم في مرضات الله ، والنصح لعباد الله ، فإذا علم الله من ضميرهم أنهم إن بعثوا كانوا كذلك ، وإن أمروا قاموا لله بذلك ، أمرهم سبحانه حينئذ ونهاهم ، وبعثهم واجتباهم. ثم أبان معهم العلم والدليل الذي يدل على أنهم رسل مبعوثون برسالته إلى خلقه ، مبشرين ومنذرين ، مخوفين لعذابه ، مبشرين بثوابه ، هادين إلى طرق سبله ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢]. وعلم الأنبياء ودليلها : فهو ما جاءوا به من المعجزات ، وأظهروه للخلق من العلامات الشاهدات على أنهن من عند الرحمن ، اللواتي لا ينالهن ولا يطيق إيجادهن أحد من الإنسان ؛ مثل ما جاء به موسى عليهالسلام من إدخاله يده في جيبه فخرجت بيضاء من غير سوء ، ومثل ما جاء به من انقلاب العصا إلى خلق حية ، وغير ذلك من باقي التسع الآيات ، وغير ذلك مما كان يأتي به من الدلائل المعجزات والعلامات ؛ ومثل ما جاء به عيسى صلى الله عليه من التكلم في المهد ، ومن
__________________
(٤٢٠) في (ج) : وصاة.
(٤٢١) في (وصيته) الضمير عائد إلى النبي ؛ يعني ولا تثبت وصيته لوصيه إلا باستحقاق. تمت.