من جنسهم إذ كان حاضرا لأمر الله لهم ، فأمره بالسجود معهم ، وإن لم يكن جنسه جنسهم ؛ لأن الملائكة صلوات الله عليهم إنما خلقوا من الريح والهوى ، وخلقت الجن كلها من مارج النار. ومارج النار فهو الذي ينقطع منها عند توقدها وتأججها.
قلت : فما الدليل على أن إبليس من الجن؟
قال : قول الله جل ذكره : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠].
قلت : فهل أمرت الجن كلها بالسجود ، أم خص الله إبليس بذلك دونهم؟
قال : لم يأمر الله سبحانه أحدا منهم إلا إبليس فقد أمره الله بالسجود دونهم.
قلت : أفمخصوص كان بذلك دونهم؟
قال : نعم كان مخصوصا بالأمر.
قلت : فعصيان آدم صلوات الله عليه في أكل الشجرة كيف كان ذلك منه أتعمدا أم نسيانا؟
فقال : قد أعلمك الله في كتابه من قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] يقول لم نجد له عزما على أكلها واعتمادها بعينها.
ولكن سلني فقل لي : فإذا كان آدم في أكل الشجرة ناسيا كيف وجبت عليه العقوبة ، وقد أجمعت الأمة على أنه إذا نسي الرجل فشرب في رمضان وهو ناس ، أو أكل وهو ناس ، أو ترك صلاة حتى يخرج وقتها وهو ناس ، أو جامع امرأته في طمثها وهو ناس ، لم يجب عليه في ذلك عقوبة عند الله ، فكيف يجب على آدم صلوات الله عليه العقوبة في أكل الشجرة ناسيا؟
فإن سألتني عن ذلك قلت لك : إنما عوقب آدم صلوات الله عليه في استعجاله في أكل الشجرة ، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما نهاه عن أكل الشجرة وهي البر ، وأمره بالشعير ، ولم يحظره عليه ، فكان يأكل من شجرة الشعير وهي ورق ولم تحمل ثمرا ، فلما صار فيها الحب والثمر أشكل (٤٣٨) عليه أمرها ، فلم يدر أيهما نهي عنها ، فأتاه اللعين بخدعه
__________________
(٤٣٨) في (أ) : اشتكل.