أمّا بعد : فإن الدين لما عفت آثاره ، وانطمست أعلامه ، واضمحلت أنباؤه ، وسدت مطالعه عند ما فقد من أنصاره والقائمين بحفظه وحياطته نطق الكاظمون (١٥) ، وظهر المرصدون (١٦) ، ولله جل ذكره إلى كل رصد من الباطل طلائع من الحق ، ومع كل داع إلى الضلال بينات من الهدى ، وإلى جنب طريق كل حيرة سبب واضح من الإرشاد ، وفي كل شيء حجة قاطعة.
فأمّا رسل الله صلوات الله عليهم فقد قاموا بحجج البلاغ ، وأدوا وظائف الحقوق ، وبلغوا ما عليهم من فرض النصيحة ، وأنفذوا شرائط الله عليهم في خلقه ، ووقفوا العباد على سبيل النجاة ، وسلكوا بهم منهاج السلامة ، وحذروهم طرق الحيرة ، واحتملوا في جنب مرضاته الصبر في البأساء والضرّاء ، صلوات الله عليهم ورحمته.
ذكر الفترة والعمل فيها
وفيما بين أزمنة الرسل فترات في مثلها يتحير الضّلال ، ويدفن الحق ، ويغمض البرهان بتظاهر الجبارين على أولياء الله ، وهنالك يندب الشيطان ولاته ، ويبث دعاته ، وينصب حبائله ، ويدخل على الناس الشبهة ، ويضطرهم إلى الحيرة ، وليست فترة من الهدى ، ولكنها فترة من الرسل ، وفيها كتبه وحججه ، وبقايا من أهل العلم ، يحيون العلم ويحيون به ، قد وجهوا لله من رغبتهم ، وامتحنهم الله بأهل دهرهم ، قد تمسكوا بنور كتابه ، وعرفوا مواقع حججه في كل بدعة حدثت ، أو شبهة نزلت ، فهم من الناس في أذى وجهد ، ومن
__________________
(١٥) في (ب) : الجاهلون.
(١٦) قال في شرح البالغ المدرك بعد قوله وظهر المرصدون : يعني من كان يرصد قيام أهل الباطل من العلماء الذين مالوا إلى دنياهم وخالفوا أهل البيت عليهمالسلام في فتواهم واغتنموا الفرصة فجعلوا لهم مذاهب.