قال يوسف : هي راودتني عن نفسي.
فتحير الملك واشتبه عليه الأمر ، وكثر فيه القول ، فذكر بعض الرواة أن الذي حكم في ذلك صبي صغير كان في المهد ، واختلف فيه ، والذي صح عندنا في ذلك أنه كان صبيا قد عقل ، وهو من أبناء خمس سنين أو شبيه بها ، فأتي به إلى الملك فقال : إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت هي فيما ذكرت من مراودته لها على نفسها ، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت هي فيما ادعت وهو من الصادقين في قوله ومراودتها له عن نفسه. فأتي بالقميص إلى الملك فنظر إليه فإذا هو مقدود من دبره ، فقال : إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ، ثم بدا لهم من بعد ذلك ، فألقي في السجن ، وكان في السجن رجلان من خدم الملك ، فلما كان من إعلامه لهما بتأويل رؤياهما على الحقيقة بعينها. فلما رأى الملك رؤياه أتى أحد الرجلين إلى يوسف ، فقص عليه ذلك ، فأخبره بتأويله ، فلما انتهى ذلك إلى الملك بعث إلى النسوة يسألهن عن خبره ، فقالت امرأة العزيز : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فيما تبرأ منه وأنكره ، (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) [يوسف : ٥٢] ، فهذا ما كان من خبره عليهالسلام
قصة داود عليه الصلاة والسلام
وسألته عن قول الله سبحانه : (هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) [ص : ٢١] ، إلى قوله : (خَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) [ص : ٢٤].
فقال : هذا خبر من الله سبحانه عما نبه به نبيئه داود صلى الله عليه على أمنيته من نكاح امرأة أوريا. وذلك أنه لما سمع الطير أشرف به الطير على رأس جدار ، فأشرف داود ينظر أين توجه الطير ، فوقعت عينه على امرأة أوريا وهي حاسر ، فرأى من جمالها ما رغبه فيها ، فقال لوددت أن هذه في نسائي ، ولم يكن منه غير هذا التمني. وكل ما يروى عليه من سوى ذلك فهو باطل كذب. فلما أن تمناها نبّهه الله وعاتبه في السر ، وقد أعطاه أكثر من حاجته ؛ فبعث إليه ملكين ، فتمثلا في صورة آدميين ، فتسورا عليه من المحراب وهو