كل الأسباب عليهم ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢].
فإذا قال بذلك ، قيل له : ويحك ما أغفلك ، وأبين حيرتك ، وأظهر جهلك ، وأقل علمك بما تذكر من قولك ، وتقول إن الكتب عندك على ما ذكرت وفسرت ، وقد تعلم أن أعظم الكتب كتاب محمد عليهالسلام ، الذي جعله الله نورا وهدى وتبيانا ، ورحمة وشفاء فرض فيه الفروض ، فأصل فيه الأصول ، وبين به حلاله وحرامه ، وفي ذلك ما يقول جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨] ، ويقول سبحانه : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً) [النحل : ٨٩] ، ثم أمر رسوله باتباعه ، والانقياد لما فيه ، فقال : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [الأنعام : ١٠٦] ، ثم تقول بعد : (إنه قد ذهب بعضه ، ولم يبق إلا أقله) ، وهو دعائم الرحمن ، وفيه ما يحتاج إليه من أمور الله في كل شان ، فإن كان ذلك عندك كذلك ، فقد ذهبت أكثر فرائض الله سبحانه ، وعدمت حجته ، فتركت ، وعطلت ، ورفضت ، واستبدلت بنور الحق وبهجته حيرة الباطل وظلمته ، فلا ذنب للعباد فيما جهلوا من الحق ، وارتكبوا من الفساد ، وتركوا من فرائض الله التي قد ذهبت مع ذهاب عامة كتابه ، إذ هم عنها غافلون ، ولها جاهلون ، إذ لم يجدوها ولم يطلعوا عليها ، ولم يعلموها.
ما يلزم القائل بذهاب بعض القرآن
ومن قال بذهاب بعض القرآن دخل عليه بقوله الفساد في أمره ودينه ، حتى لا تقوم له حجة ، ولا تثبت له بينة ؛ وذلك أنه لو قال له قائل : (أنت أيها المناظر تزعم أن القرآن قد ذهب منه بعضه ، لا بل تقول ذهب أكثره وأنت تعلم أن القرآن ناسخ ومنسوخ ، وأمر ونهي ، وخبر ، وهذه الفرائض التي في هذه البقية التي بزعمك بقيت في أيدي الناس فهي