الكتاب والسنة. فإذا علم العالم ذلك ، وأتى على معرفته ، وعرف مجمله ومحكمه ، وفروعه ومتشابهه ، ونظر في ذلك كله بقلب فهم سالم من الجهل ، بري من الخطل ، بعيد من الزلل ، ثم وردت عليه مسألة استدرك علمها ساعة ترد عليه ، إما بآية ناطقة ، أو شريعة باسقة ، تنطق له بالحكم فيما ورد عليه ، وتبين له ما يحتاج من ذلك إليه بقياس يصح من السنة ، ويثبت في الآيات المحكمة ، وتشهد له الشرائع المشروعة بكون هذا القياس فرعا من فروع الحق ثابتا ، ونورا شاهدا على ما فيه من الصدق ، فيكون القياس ممن علم ما قلنا ، وتفرع فيما ذكرنا ، وفهم ما شرحنا ، قياسا واحدا ، إذ كان له ذلك أصلا مؤصلا ، تخرج هذا القياس وتبينه وتشرعه وتوضحه وتدل عليه وتفرعه حجج الله التي في الصدور المركبة ، للتميز بين الأمور من هذه العقول المجعولة لما ذكرنا ، المركبة لما شرحنا ، من التمييز بين الباطل والحق ، والفرق بين البر والفسق.
فإذا علم الحاكم ما يحتاج إليه من الأصول والفروع لم يخرج كل ما يرد عليه من أن يكون حكمه وقياسه في أصول الكتاب وفروع السنة ، إما شيئا ناطقا قائما قد حكم به المجمل الموصل ، وبينه الفرع المفصل ، فيحكم فيه بحكمها ، ويحتذي العالم فيه بوحيهما. فإن عدم لفظ ما يأتي من الحكم والفتيا ، من أن يكون في المجمل أو المفصل منصوصا مفسرا ، لم يعدم قياسه والدليل عليه ، حتى يقف بالمثل على مثله ، ويعرف الشكل في ذلك بشكله ، ويقيس ما أتى من ذلك على أصله ؛ لأن أصل كل حق وهدى ، وقياس كل حكم أبدا ففي الكتاب والسنة موجودا ، يستخرجه العالم بعقله ، ويستدل على قياسه بمركب لبّه ، حتى يبين له نوره ، ويشرع له طريقه ، ويصح له قياسه على الحق الذي في الكتاب ، تشهد له بذلك شواهد القرآن ، وتنطق له بالتصديق السنة في كل شأن ، فيكون العالم في علمه واستخراجه بما يحتاجه إليه من حكمه من كتاب الله وسنته ، على قدر ما يكون من صفاء ذهنه ، وجودة تمييزه ، واستحكام عقله ، وإنصافه للبّه ، وجودة تمكن علم الأصول في قلبه ، وثبات علم الكتاب والسنة في صدره ، اللذين عليهما يقيس القائسون ، وبهما يحتذي المحتذون ، وإليهما يرجع الحاكمون ، ومنهما يقتبس المقتبسون ، وإليهما عند فوادح النوازل يلجأ العالمون.
فإذا كملت معرفة العالم بأصول العلم المعلوم ، وصحت معرفته بفهم غامض