وفيما ذكرنا من أمرهم ما يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجاء ، ومن تخلف عنها غرق وهوى.».
وهذا ومثله فكثير عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم يفهمه من روى عنه عليهالسلام ونحن نستغني بقليل ذكره عن كثيره.
ثم اعلم أيها السائل أن الحق لا يؤخذ إلا من أحد ثلاثة وجوه : كتاب ناطق ؛ أو إجماع من الأمة فيما نقلته عن النبي عليهالسلام من السنة التي جاء بها عن الله ؛ أو أمر بينته وصححته العقول ، وميزت وأخرجت حقه وشرعت صدقه.
ثم اعلم أن القياس يخرج على معنيين : أحدهما ثابت صحيح ، والآخر باطل قبيح.
فأما المعنى الباطل منهما ؛ فهو قول القائل : قاس فلان ويقيس فلان ، يريد بذلك قياسا على غير الكتاب ، يضرب (٤٨٩) بعض القول ببعض ، ويقيس برأي نفسه على رأي غيره ، ويشبه مذهبه في القياس بمذهب غيره ، فيخرج قياسه قياسا فاسدا ، لا يجوز هذا القياس في الدين ، ولا يثبت في أحكام المسلمين ؛ بل من تعاطى قياسا على ما ذكرنا ، أو قولا فيما شرحنا ، كان محيلا مبطلا ، فاسد المذهب جاهلا.
والمعنى الذي يثبت في كل معنى ، ويكون دليلا على النور والهدى ؛ فهو أن يكون العالم المتبحر في علمه المتمكن في فهمه ، إذا ورد عليه أمر قاسه على كتاب الله ، وعلى سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ومعنى قولنا قاسه : هو دبره ونظره ، وفكر فيه وميزه ، واستعمل في استخراجه من كتاب الله سبحانه وسنة نبيه وعقله ، فغاص عند نزول النازلة في بحور الكتاب والسنة ، حتى استخرج باستدلاله علم حاجته من كتاب ربه وسنته التي أنزلها على نبيئه. فهذا المعنى هو القياس الصحيح ، ومعنى اسم القياس هاهنا من قول القائل : قاس ، فإنما هو استدل وأصاب ، وميز فاستخرج بقياسه وتمييزه الصواب من كتاب ربه ، ووقف بجودة تمييز قياسه ، وغوصان لبه على طلبه ، وجال بما ركب الله في
__________________
(٤٨٩) في (ب) : يصرف.