مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [المجادلة : ٧] ، وقال : (وَما كُنَّا غائِبِينَ) [الأعراف : ٧] ، يعني في جميع ذلك أن علمه محيط بهم ، لا أنه داخل في شيء من الأشياء كدخول الشيء في الشيء ، ولا خارج من الأشياء بائن عنها فيغبى عليه شيء من أمورهم ، بل هو العالم بنفسه ، وأنه عزوجل شيء لا كالأشياء ؛ إذ الأشياء من خلقه وصنعه ، وقال عزوجل : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) [الأنعام : ١٩] ، فذكر سبحانه أنه شيء ؛ لإثبات الوجود ونفي العدم ، والعدم لا شيء.
العدل
ثم يعلم أنّه عزوجل عدل في جميع أفعاله ، ناظر لخلقه ، رحيم بعباده ، لا يكلفهم ما لا يطيقون ، ولا يسألهم ما لا يجدون ، و (لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠] ، وأنه لم يخلق الكفر ولا الجور ولا الظلم ، ولا يأمر بها ، ولا يرضى لعباده الكفر ، ولا يظلم العباد ، ولا يأمر بالفحشاء ، وذلك أنه من فعل شيئا من ذلك ، أو أراده أو رضي به ، فليس بحكيم ولا رحيم ، وإن الله لرءوف رحيم ، جواد كريم متفضل ، وأنه لم يحل بينهم وبين الإيمان ، بل أمرهم بالطاعة ، ونهاهم عن المعصية ، وأبان لهم طريق الطاعة والمعصية ، وهداهم النجدين ، ومكنهم من العملين ، ثم قال : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، وقال : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الانشقاق : ٢٠] ، وقال : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [النساء : ٣٩] ، أو يأمرهم بالكفر ؛ ثم يقول : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) [آل عمران : ١٠١]؟ أو يصرفهم عن الإيمان ، ثم يقول : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس : ٣٢]؟ أو يقضي عليهم بقتل الأنبياء صلى الله عليهم ؛ ثم يقول : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٩١]؟
أفعال العباد
والله عزوجل بريء من أفعال العباد ، وذلك قوله تبارك وتعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ