فليعلم كل عالم أو جاهل ، أو من دعي إلى الحق والجهاد فتوانى ، وتشاغل ، وكره السيف والتعب ، وتأوّل على الله التأويلات ، وبسط لنفسه الأمل ، وكره السيف والقتال ، والملاقاة للحتوف والرجال ، وآثر هواه على طاعة مولاه ، فهو عند اللطيف الخبير العالم بسرائر الضمير من أشر الأشرار ، وأخسر الخاسرين. إن صلاته وصيامه وحجه وقيامه عند الله بور لا يقبل الله منه قليلا ولا كثيرا ، ولا صغيرا ولا كبيرا ، وإنه ممن قال سبحانه فيه حين يقول : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً) [الغاشية : ٢ ـ ٤]. وكيف يجوز له الإقبال على صغائر الأمور من الصالحات ، وهو رافض لأعظم الفرائض الزاكيات (٥٠٤) ، وكيف لا يكون الجهاد أعظم فرائض الرحمن ، وهو عام غير خاص لجميع المسلمين ، وعمل من عمل به شامل لنفسه ولغيره من المؤمنين ؛ لأن الجهاد عز لأولياء الله ، مخيف لأعداء الله ، مشبع للجياع ، كاس للعراة النياع ، ناف للفقر عن الأمة ، مصلح لجميع الرعية ، به يقوم الحق ، ويموت الفسق ، ويرضى الرحمن ، ويسخط الشيطان ، وتظهر الخيرات ، وتموت الفاحشات. والمصلي فإنما صلاته وصيامه لنفسه ، وليس من أفعاله شيء لغيره ، وكذلك كل فاعل خير فعله لنفسه لا لسواه ، فأين بالجهلة العمين والعلماء (٥٠٥) المتعامين؟ كيف يقيسون شيئا من أعمال العباد ، إلى ما ذكر الله سبحانه من الجهاد. هيهات هيهات ، بعد القياس ، ووقع على الجهلة الالتباس ، وحبطت بلا شك أعمال المتخلفين (٥٠٦) ، وخسر الراكنون إلى الدنيا ، المؤثرون لما يزول ويفنى ، المتشبثون بالأموال والأولاد والأهلين ، وهم أحد اليومين لذلك مفارقون ، ولما تشبثوا به تاركون ، وعما آثروه على ربهم والجهاد في سبيله رائحون. وفي أولئك ومن كان من الخلق كذلك ما يقول الرحمن الرحيم فيما نزل من القرآن العظيم : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَ
__________________
(٥٠٤) في (ب) : الواجبات.
(٥٠٥) في الأصل : (أو العلماء).
(٥٠٦) في (ب) : المختلفين.