الْحَسَنَةِ) [النمل : ٤٦] ، فنعوذ بالله لنا ولك ولكل مؤمن من ذلك ، ونستجير به من أن نكون كذلك. وسنفسر لك إن شاء الله ما جهل فيه من جهل فعلنا ، ونشرح لك من ذلك ما لم يقف عليه الطاعن في سيرتنا ، حتى يصح لك ولهم في ذلك الصدق ، ويبين لك ولهم أن فعلنا هو الحق ، فما مثلنا ومثلهم وخبرنا وخبرهم فيما علمناه وجهلوه ، وعرفنا مفاصل صوابه وعموه ، إلا كمثل موسى وصاحبه صلى الله عليهما العالم الذي اتبعه موسى على أن يعلمه مما علمه الله رشدا. فأعلمه أنه لا يستطيع معه صبرا ، إذ ليس يعلم كعلمه ، ولا يقف على ما يرى من فعله ، فأخبره أنه لا يصبر إذا رأى منه شيئا مما لا يعرفه حتى يسأله ويبحثه ، ويدخله الشك في فعله ، فقال له موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. ثم لم يصبر لما رأى ما ينكره قلبه حتى عاتبه فيه وسأله عنه ، فكان أول ما أنكر عليه موسى عليهالسلام : خرق السفينة ، فعظم ذلك في صدر موسى ، فقال له ما قال ، فقال له العالم : (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [الكهف : ٧٢] ، فقال له موسى : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) [الكهف : ٧٣] ، فغفرها له ، وانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله ، فقال له موسى : (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٤ ـ ٧٧] ، يريد بهذا منه إذ هو خائف لا يؤمن سقوطه فأجرت في ذلك ، فقال العالم لموسى : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف : ٧٨] ، ثم أخبره بمعاني أفعاله ، وصواب أعماله التي كانت عند موسى منكرة عظيمة ، فاحشة كبيرة ، وهي عند الله وعند العالم صواب ، وعند موسى صلى الله عليه خطأ وارتياب ، إذ لم يعلم وجه أمرها ولم يقف على كنه خبرها ، فيصح له نير صوابها كما وضح لفاعلها ، فقال فاعلها لموسى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) إلى قوله (ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف : ٧٩].
فكذلك حال الإمام فيما شرحت ، وحال من ذكرت ممن أنكر فعل الإمام ، إذ لم يكن علمه كعلمه ، ولا حاله في المعرفة بالنازلات كحاله ، وكيف يستوي المتفاوتان أو يتزن الرطل والرطلان؟ لا كيف! وفي ذلك ما يقول الله سبحانه : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ٧٦] ، ويقول سبحانه : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦] ، ويقول : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا