المهاجرين والأنصار استوسقت السبل ، وأمنت البلاد ، وعاش العباد ، وتجر التجار ، وعمرت الديار ، وزرع الزارعون ، وتقلب المتقلبون ، واستغنت الرعية ، وحسن حال البرية ، فعاش بينها أهل الصدقة من هؤلاء الأصناف المذكورين ، وسخا الأغنياء بالعطية للطالبين ، وتقلب الفقراء والمساكين في دار الأغنياء الواجدين ، وتكسبوا معهم ، وأصابوا من فضلهم ، وحسنت بصلاح دارهم حالهم ، واستقامت لعز الإمام أمورهم.
فلهذا المعنى قسمنا الصدقة عند ما يستغني عنها الإسلام والمسلمون ، وحبسناها عند ما يحتاج إليها ويضطر الأنصار والمجاهدون ، نظرا منّا للرعية ، واحتياطا في الحياطة للبرية ، وأداء إلى الله سبحانه النصيحة لعباده ، وإحسانا وأداء إليه ما استأمننا عليه من أموال بلاده ، فصرفناها في اصلاح الدين والمسلمين ، ورددناها على الأصناف من المسلمين حيثما كانوا اجتهادا لله (٥٣٤) في النصيحة ، وتأدية منّا إليه ما حملنا من الأمانة ؛ إذ كنا عن ذلك مسئولين ، وبإحسان النظر للإسلام والمسلمين مأمورين ، وعن التفريط فيما يصلح البلاد منهيين.
مثال يدل على جواز القسمة على ما يراه الإمام من المصلحة
وسأضرب لك إن شاء الله ولمن عقل صواب رشدنا قولا ومثلا يبين لك حقائق علمنا ، فليس كل متكلم مصيب في قوله ، ولا كل منتحل للعلم عالم لكل (٥٣٥) ما يحتاج إليه ، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦] ، ومن طعن بغير علم على أولياء الله كان آثم أثيم بالقول. وما يذهب إليه الطاعن علينا بما لا يعلم متأول ، في رجل متولّ لأمور أيتام تحت يده ، مسكنة صغار من ضعفة لهم أرض بعضها أعناب ، وبعضها حرث ، فاستغل لهم من ذلك العنب زبيبا ، ثم حدث في العنب والحرث حدث من سيل فأخرب الحرث ، أو نار أحرقت العنب ، وخشبه ، أكان الواجب عندك في دين الله وفرضه ، وما حكم على ولي
__________________
(٥٣٤) في (أ) : من المسلمين حينا اجتهادا لله.
(٥٣٥) في (ب) و (ج) : بكل.