دون غيرهم ممن سلب لبه عقابه ، فالعالمون من ذوي الألباب هم المجازون بالحسنة الحسنات ، وبالسيئات من الأفعال السيئات.
العقل
والعقلاء فهم الموقفون للحساب ، الخائفون لأليم العقاب ، والكائن منهم ما ذكر الله سبحانه حين يقول : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] وهو يوم تخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ، فتبيض فيه وجوه من جاء بصالح الأعمال ، وتسود وجوه من جاء بسيئ الأفعال ، يكون حال من سلب لبه فيه كحال الأطفال ، آمنا إذ ذلك من هائل الأهوال ، لا يسألهم الواحد العدل المنان ، عمّا منهم في دنياهم كان ، فتبارك العادل بين خلقه الرحمن. وفيما نقله الثقات من ذوي العقول ثقة عن ثقة عن الرسول ، عليهالسلام ، أنه قال : «لما أن خلق الله العقل قال له : أقبل! فأقبل ، ثم قال له : أدبر! فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ، بك أعطي وبك آخذ.» ، فقوله : «بك آخذ وبك أعطي» دليل على أنه لا يثاب على فعل فعله ولا يعاقب على جرم اجترمه إلا من ركب فيه لب حاضر ، ورأي صادر ، وفي قول الله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الرعد : ١٩] أكبر الدليل على أنه لا يكون تذكرة ولا تفكرة تعود إلى معرفة وبيان ، وحسن نظر وإتقان ، إلا بلب يتفرع منه التذكرة والمعرفة في الإنسان ، فتبارك من علم خفيات ضمائر القلوب عنده كالإعلان.
تفرع المعرفة عن العقل
فإن قيل لك : ابن لنا ما معنى تفرعها من العقل ، وكيف تتفرع؟ وما معنى قولك يستعمل العقل؟ وكيف يستعمل ، ومثّل ذلك لنا بمثل تقبله عقولنا ، وتفهمه أنفسنا.
فقل : مثل العقل في الآدمي كمثل الاستطاعة فيه ، فالاستطاعة هي سلامة أدواته ، فإذا استعملت الأدوات فيما تصلح له تفرعت أفعاله منها ، كمثل ما يتفرع من الكف من الحركة مما يؤدي إلى رفع أو وضع ، أو ما يتفرع من حركات الرجل من مشي أو عدو ،