أو ركوب ، أو نزول ، أو غير ذلك. وكل أداة ففعلها متفرع منها ، وتفرعه فهو خروجه ، وكلّ فعل أداة فغير كائن بغيرها من الأدوات ، ولن يوجد إلا بوجودها ، ويتغير بتغيرها ، ويزيد بزيادتها ، ويكمل بكمالها ، ويعدم بعدمها ، ويدخل عليه من الضرر ما يدخل عليها. وكذلك تفرع المعرفة من العقل وكسبها به كتفرع الحركات من الأدوات ، توجد بوجوده ، وتعدم بعدمه. والعقل فهو خلق الله وتركيبه في عباده ، والمعرفة فهي أفعال المخلوقين ، متفرعة من العقول ، فكل من أعمل عقله في شيء من آيات الله قاده إعماله لعقله من معرفة الله تبارك وتعالى إلى أبين بيان ، وتبين له بما يتفرع من المعرفة بالله أنوار البرهان ، فيثيب الله من قبل ما دل عليه مما تفرع من مركب لبه الذي جعله الله فيه ، من المعرفة بالله عزوجل ، فإذا ميز وأعمل النظر في صغير آيات الله دون كبيرها ، فعلم أن لها خالقا كريما ، ومدبرا عليما ، فقبل ذلك بأحسن القبول ، فاستوجب من الله الزيادة والتوفيق. ويعاقب من كابر لبه وأنكر آيات ربه واستوجب بذلك منه الخذلان ، وتمكنت منه وساوس الشيطان ، كما يثيب من عمل بكفه خيرا ، ويعاقب من اكتسب بها شرا. وأما استعمال العقل فهو الفكر به ، والنظر والتمييز بين الأشياء ، والبصر فيها وفي تركيبها وتدبيرها وحسن تقديرها ، حتى يقوده ويدله ما يتفرع من لبه عند استعماله له على معرفة علّام الغيوب ، ومقلب ما يشاء من القلوب.
فإذا ثبت عنده أن له خالقا ومصورا ، ولجميع الأشياء فاطرا ، ومدبرا وجب عليه أن ينظر في كتاب الله تبارك وتعالى ، ويسأل العلماء عمّا ذكر الله من كرسيه وعرشه ، ويده ووجهه ، حتى يبينه كل عالم بما يحضره من الجواب. والسؤال فواجب عليه ، لقول الله تبارك وتعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وهم آل محمد صلى الله عليه وعليهم. فإذا أنبي عمّا يسأل وجب عليه أن يتفكر بعقله ، فيضيف إلى الله سبحانه من الأشياء ما هو أولى به ، وينفي عنه الشبهات التي تكون في خلقه ، ويعلم أن ليس كمثله شيء كما قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١]. فإذا علم أن الله واحد أحد ، وأنه مباين للأشياء كلها ، مخالف لها غير مشاكل لما خلق ، لا يحويه مكان ، ولا يشغله شأن عن شأن ، وهو بالمرصاد كما قال سبحانه وجب عليه أن يعلم أنه عدل لا يجور ، فإذا علم ذلك فقد أكمل معرفة ربه سبحانه.