المعرفة بالتقليد
فإن قال قائل : فإنا نجد المعرفة باينة من العقل لا تدل على صفات الله ، ولا يقف صاحبها عليها من غير تعريف ولا سؤال ، فقال : إن المعرفة إنما هي تعليم من بعض لبعض ، مستغنية بنفسها غير محتاجة إلى العقل.
قيل له : فأخبرنا عمن عمل شيئا يجب على من أضافه إلى الله أن يكون ناسبا إلى الله الجور والظلم؟ وما يجب على من اعتقد أن يكون الله مشبها بخلقه؟ فقال بذلك واعتقده ، هل يكون بالله عارفا ، ولله موحدا؟
فإن قال : نعم ، كفر. وإن قال : لا. قيل له : أفرأيت إن اختلفت عليه الأقاويل ، فأمره قوم باعتقاد ما يلزمه به التشبيه والتجوير لربه ، وأمره آخرون باعتقاد التوحيد والقول بالعدل ، فالتبس عليه أمره ، وعمي عليه رشده ، ما الذي يجب عليه في ذلك؟
فإن قال : إنه يجب عليه أن يقلد أحد الفريقين قوله ويقول به ، وزعم أنه إذا قلد قوما قولا ثم عمل به واعتقده نجا من إثمه ، وكان عليهم وزره ، وجب عليه أن يقول : إن كل من أمر بدين من الأديان من اليهودية ، أو النصرانية ، أو أي دين كان من أديان الكفر وأشار به فقبله منه قابل ، وقلده إثمه ، ودخل فيه ، فأحل ما حرم الله ، وحرم ما أحل الله ، كان بذلك بريا من الوزر ، وكان جميع ذلك الأمر على من أمره به دون من قبله. ولو كان ذلك كذلك لم يعذب الله إلا المؤسسين لأنواع الشرك من القرون الأولة ، ولكان كل من عمل بعملهم ناجيا من سخطه وعقابه ، ولكان كل من قال على الله بالحق ودان بدين محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين وسلم غير مثاب عليه ، ولكان الثواب واجبا في القياس للرسول ، ولم يكن لمن عمل به ثواب ولا محمدة ، ولم يكن المذنب بإجرامه بأهل بالعقوبة من المحسن في أعماله ، ولكان المطيع والعاصي في الثواب والمجازات على العقاب سيان ، إذ كانا من جميع أفعالهما بريان.
ثم يسأل فيقال له : أخبرنا عن إبليس إذا أمر العباد ، ووسوس وزين لهم المعاصي ، حتى يكونوا لها عاملين ، ولعظائمها مرتكبين ، على من أثمها؟
فإن قال : على إبليس دونهم.