الحكمة من التفاوت في الخلق
فإن قال قائل : وما في التفاوت بين خلقه في الخلق والأجسام والألوان من الحكمة؟
قيل له : في ذلك أحكم الحكمة ، لما فيه من الدليل على صانعه ، والشهادة على جاعله ، والنطق بوحدانية فاعله ، وحكمة مدبره ؛ لأنه لما أن تصرفت خلقهم ، واختلفت ألوانهم ، وتباينت صورهم ، دل ذلك من حالهم على جاعلهم ، وشهدت بذلك حالهم على وحدانية فاعلهم ، وبعده من شبههم ، واقتداره على فطرهم ، ونفاذ إرادته في تأليفهم (٥٥٧) ، فصح له بذلك عند خلقه القدرة ، وثبتت له الوحدانية ، وصحت له دون غيره الربوبية. فهذا باب الحكمة ، وتفسيرها وشرح أمرها وتثبيتها في ظهور ما أظهر الحكيم من خلقه ، وتفضيل من فضّل في الألوان والأجسام ، وما له كانت الأمور من الله سبحانه كذلك ، وأتى تدبيره جل جلاله على ذلك ، وفي ذلك من قولنا وما يشهد لنا عليه كتاب ربنا ، ما يقول الرحمن فيما نزل من النور والبرهان : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : ٢٢].
فافهم ما به قلنا من تسوية الله سبحانه بين عباده فيما أعطاهم من أصول حججه المركبة في صدورهم ، كما ساوى بينهم فيما ألزمهم من أداء فرضه ، وما قلنا به في الزيادة من الله سبحانه في ذلك لمن شاء من خلقه.
نوع التفاوت بين عقل رسول الله وعقل أبي جهل
وإن كنت تريد بقولك : هل كان عقل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل عقل أبي جهل؟ أنه مثله في المساواة والموازنة ، والكمال والاستواء ، ومواد زيادات الله له في الهدى والعطاء ، والتفضيل في كل الأشياء ، والزيادة في الفهم وجودة التمييز ... فلا!! ولا
__________________
(٥٥٧) في هامش (أ) بخط عريض : قف على أن دلالة كونه تعالى صانعا مختارا يكفي في الدلالة على القدرة وغيرها من صفاته تعالى كما هو مذهب قدماء أئمتنا عليهمالسلام. تمت.