كرامة لأبي جهل!! لا يكون عقله في ذلك كعقل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأن مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الزيادات والتفضيلات ، والخصائص والكرامات ، والتوفيق والتسديد ، ما لا يكون مع أحد ، وذلك لكرامة الله لنبيه ، واستحقاق نبيه لذلك من الله بفعله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فلما أن فعل ما ارتضاه الله منه من إخلاص النية وجودة البصيرة ، استحق من الله الزيادة.
ما يفضل الله بسبب علمه بحال العبد مستقبلا
فكانت زيادات الله وعطاؤه لنبيه على صنفين ؛ فصنف ابتدأه بما ابتدأ لما قد علم من رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الاستواء ، وأحاط به علمه قبل خلقه للدنيا من إيثار محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على غيره ، وإخلاصه له في جميع أموره ، وأنه يكون على الاستواء وعلى الغاية في الانتهاء ، اختيارا منه لذلك ، وأثرة منه لربه عن غير جبر من الله له ، ولا إدخال له قسرا في طاعته ، بل يكون ذلك منه اختيارا ، وأثرة لله لا اضطرارا. فلما علم الله منه ذلك ، وأنه يكون في جميع الأمور كذلك ، ابتدأه بالكرامة على ما قد علم من غاية فعله ، وصيرورة أمره ، وابتدأه (٥٥٨) بما هو أهله ، عن غير عمل كان منه لربه ، ولا جبر من ربه على شيء تقدم من فعله ، بل على ما قد علم من صيرورة أمره ، وما علمه مما سيكون من اجتهاده في طاعة ربه ، وتقديمه لإرادته على إرادة نفسه.
والصنف الثاني : فزيادات من الله لنبيه على جزاء فعله ، وما ظهر من نصيحته ، وبان من اجتهاده في التثبت لباب اهتدائه ، فزاده الله من بعد فعله لذلك تثبيتا وهدى ، وزيادة التقوى ، كما قال الله سبحانه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧] ، فكان اهتداء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم الاهتداء ، وتقواه أكبر التقوى ، فكانت زيادة الله له أعظم من كل زيادة ، وهدايته له أكبر من كل هدايه ، فكانت هذه زيادة من الله على طريق المجازاة للنبي على فعله ، وكانت الزيادة الأولة
__________________
(٥٥٨) في (ج) و (ب) : فابتدأه.