قيل له : عند إقراره بذلك ، ومعرفته بالأمر إذ كان كذلك ، قد أصبت المعنى ، وقلت بالحق ، وثبت على الاستواء ، وثبت لك بذلك ما أحببت معرفته من عدل الله سبحانه في ذلك وحكمته ولطيف صنعه وقدرته.
فعلى هذا المثال يخرج ما تقدم منا من المقال ، فيما أعطى الله العباد من حجة عقولهم ، وساوى بينهم فيما ركب من ذلك في صدورهم ، فجعل كل من لزمه عقاب على فعله ، أو ثواب على عمله في حجة العقل سواء. فكل قد ركب فيه ما بأقل قليله ينال به أكثر مما افترض الله عليه ، ويستدل به على حاجته منه وفيه ، ويميز به بين أعماله ، ويهتدي به إلى فواضل أفعاله ويصل به إلى الاختيار في الحالين ، والتمييز بين العملين ، وسلوك ما شاء من النجدين ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). فلم يكن لمن أعطى من حجة العقل ما ذكرنا على الله سبحانه حجة في شيء من أموره ، ولا بسبب من أسبابه ، بما فضل به عليه غيره من بعد المساواة فيما يحتاج إليه ، كما لم يكن لصاحب الشمعة الواحدة على سيده في إحراق ما أمره بإحراقه حجة ، بإعطائه لصاحبه شمعتين ، إذ المعنى في ذلك واحد في الواحدة والثنتين ، والدرك بالجزء الواحد لما أمر به من النار في إحراق الحشيش كالدرك بالجزءين ، فهذا معنى ما عنه سألت ، فافهم الجواب في ذلك إن شاء الله بحمد الله ، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما.
كيفية أخذ الوحي عن الله
وسألت أكرمك الله وحفظك ، وأعانك على طاعته ووفقك ، فقلت : كيف يأخذ جبريل عليهالسلام الوحي عن الله ، وكيف يعلمه ، وكيف السبيل فيه من الله حتى يفهمه؟
واعلم هداك الله : أن القول فيه عندنا كما قد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه سأل جبريل عن ذلك ، فقال آخذه من ملك فوقي ، ويأخذه الملك من ملك فوقه.
فقال : كيف يأخذه ذلك الملك ويعلمه؟