فقال جبريل : يلقى في قلبه القاء ، ويلهمه إياه إلهاما ، وكذلك هو عندنا ، أنه يلهمه الملك الأعلى إلهاما ؛ فيكون ذلك الإلهام من الله إليه وحيا ، كما ألهم تبارك وتعالى النحل ما تحتاج إليه ، وعرفها سبلها حين كان منها من ذلك في بناء شهودها ، وتسوية ما تسوي لأولادها ، وما تجتنيه من الأشجار ، مما تعلم أن فيه الشراب الذي ذكر الله أنه شفاء ، سماه الله سبحانه شفاء للناس ، من العسل الذي يخرج من أجوافها ، فقال تبارك وتعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٦٨].
فكما جاز أن يلهم النحل ما تحتاج إليه فتفهمه حين فهمت الأشجار وميزت الثمار ، فعرفت ما يخرج منه العسل فقصدته ، وعرفت ما لا عسل فيه فتركته ، مع عجائب كثيرة من أمرها ، ودلائل على أثر الصنع في فعلها ، يستدل به من جعل له لب ، ويعرف أثر صنع الله فيه من كان له قلب ... فكذلك فعل الله في الملك يلهمه ما أراد إلهاما ، ويلقيه في فهمه إلقاء ، فيكون فعل الله في ذلك منيرا ساطعا عند كل من كان ذا عقل نافع ، لا يمتنع من قبوله عقل عاقل ، ولا يكون عند ذي تمييز بحائل.
فإذا ألهمه الله ما أراد سبحانه ، ثبت في قلبه بغاية الثبات كلما وقع من ربه في الحالات أثبت وأوضح في قلبه من كلام لو سمعه من غيره ؛ لأن هذا الإلهام من الله فعل مفعول في الملهم ، وما كان من فعل الله والقائه إلى عبده ، فهو أثبت وأوضح من إلقاء مخلوق إلى مخلوق مثله.
فهذا معنى ما عنه سألت من وصول حكم الله ووحيه ، إلى المؤدي عنه من ملائكته ما أراد وشاء من فرضه ، فأعمل فكرك في تدبيره ، يوصلك ذلك إن شاء الله إلى فهمه ، ويوردك إلى ما أردت من علمه.
كيفية الحساب ومعناه
وسألت : كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة؟ وما معنى الحساب