القول في ذلك : أن يوم القيامة يوم جعله الله تبارك وتعالى وقتا لحشره ، وحينا لبعثه ونشره ، أبان فيه وعيده ووعده ، وأبان فيه ما حتم به من حكمه ، أنصف فيه المظلوم ، وأظهر فيه الحق المعلوم ، فأوصل وعده إلى أوليائه ، ووعيده إلى أعدائه ، وأقر كلا في داره ؛ ليعلم كلا صدق قوله ، ويرى إنفاذ ارادته : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل : ٨٩ ـ ٩٠].
فمعنى القيامة هي : قيامة هذه الأشياء التي ذكرنا ، وقيامها فهو ظهورها ، وظهورها فهو كينونتها. من ذلك ما يقول القائل : قد قامت الحرب بينهم. يقول : لقحت وبانت ، وظهرت واستقامت ، ومن ذلك ما يقول القائل (٥٦٢) : قام السوق. يريد استوى ، وقام أمره ، وحضر ما يطلب فيه ويبتغى من البيع والشراء. فهذا معنى ما أحببت علمه من ذكر الحساب والقيامة
وقلت : هل ما ذكر الله من ذلك وما شرح في يوم المعاد فعل يكون ظاهرا ، أو هو مثل ضربه للعباد؟
ولن يكون ذلك أبدا مثلا ، وفيه وعيد الله ووعده ، وثوابه لأوليائه ، وعقابه لأعدائه ، بل أمر لاحق ، وبجميع الناس واقع ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
وجوب الهجرة في سبيل الله
وسألت فقلت : من يجب عليه النفير في سبيل الله؟
واعلم هداك الله أن النفير والهجرة في سبيل الله واجب على كل من عرفه ، ممن عدم أربعة أشياء وكان سالما منها ، وهي : العرج ، والعمى ، والمرض ، والفقر. فمن لم يكن من أهل هذه الأربعة الأشياء ؛ فالهجرة عليه والنفير واجبان ، والجهاد والقيام لازمان ، لا
__________________
(٥٦٢) في (ب) : تقول العرب.