وتحوزه الأجزاء ، وتحويه الأبدان بأبين البيان وأنور البرهان ؛ فميز قولنا وتدبر شرحنا ، يبن لك أمرك ، ويصح لك من ذلك محبوبك
وقلت : كيف يميت الله البدن ، ولا يميت الروح وكل يموت؟
فأما معنى خبر الله من إحياء الروح ، فإن ذلك بحكمة الله وفضله ، وما أراد من الزيادة في كرامة المؤمنين ، وأراد من الزيادة في عذاب الفاسقين ، فجعل الأرواح حية باقية إلى يوم الدين ؛ ليكون روح المؤمن من بعد فناء بدنه في البشارات والسرور ، والنعيم والحبور ، بما يسمع من تبشير الملائكة بالرضاء والرضوان ، من الواحد ذي الجلال والسلطان ، وما أعدّ له من الخير العظيم ، والثواب الجسيم ، كل ذلك يتناهى إليه علمه ، ويصل به من ربه فهمه ، فيكون ذلك زيادة في ثوابه ومبتدأ ما يريد الله من إكرامه ، حتى يكون يوم القيامة المذكور ، ثم ينفخ في الصور النفخة الأولى ، فيقع بهذا الروح من الموت ما يقع بغيره في ذلك اليوم ، فيموت ويفنى ، كما فني البدن أولا.
وكذلك تدبير الله في إبقاء روح الكافر بعد هلاك بدنه ، لما في بقاء روحه من الحسرة والبلاء بما يعاين ويوقن ويبلغه من أخبار الملائكة وذكرها لما أعد الله له من الجحيم ، والأغلال ، والسعير ، وشرب الحميم ، وما يصير إليه غدا من العذاب الأليم ، فروحه في خزي وبلاء ، وحسرات تدوم ولا تفنى ، وحلول العويل به والشقاء ، فيكون ذلك زيادة في عذابه وبلائه ، ومقدمة لما أراد الله من إخزائه ، حتى ينفخ في الصور ، فيحق بهذا الروح ما حق بغيره من الفوت ، ويواقعه ما واقع جسمه من الموت ، ثم ينفخ النفخة الثانية من بعد موت كل شيء ، وهلاك كل حي ، ما خلى الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، المميت الذي لا يموت ، المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتا.
ولو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان ، لكان في ذلك فرج وراحة للكفار ، وغفلة وفرحة للأشرار ، ولكان ذلك غما وكآبة على المؤمنين ، ونقصانا وتضعضعا لسرور الصالحين.
فافهم ثاقب حكمة الله وتقديره ، وصنعه في ذلك وتدبيره ، وما جعل في تأخير موت الأرواح من الكرامة للمؤمنين ، والهوان للفاسقين ، فإنك إن أفكرت في ذلك بخالص لبك ، واستعملت فيه ما جعل الله من مركب فكرك ، صحت لك آثار الحكمة في ذلك ، وبان