وهذا رحمك الله فمثل ضربه الله لهم مما تعرفه العرب وتمثل به. وذلك أن العرب تقول لمالك الشيء : هو في يده ؛ وهو في يمينه ؛ تريد بذلك تأكيد الملك له ؛ لأن كل ما كان في يد المالك فهو أقدر ما يكون عليه ، واليد في لسان العرب هي : الملك ، ألا تسمع كيف تقول العرب : بلاد كذا وكذا في يد فلان ؛ وقرية كذا وكذا في يد فلان. وتقول العرب : بنو فلان في يد فلان ؛ يريدون : في طاعته وملكه ، لا بين أصابعه ، ولا في كفه ، فأرادوا بذلك الملك ونفاذ الأمر فيهم ، لا المقبض بالأصابع والضم لها عليهم ، فأخبر الله تبارك وتعالى أن مقدرته على ما ذكر من السموات المطويات فوق مقدرتهم على ما هو في ملكهم.
فأما قوله : (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ، فإخبار منه لهم أن السموات مطويات في ملكه ، متصرفات في أمره ، مجموعات في حكمه ، كما يجمع الشيء المطوي جامعه ، ويحوزه ويضم عليه طاوية ، فمثل لهم أمر نفاد حكمه في السموات وقدرته عليهم بما يعرفون من مقدرتهم على ما يطوونه وينشرونه ، من كتب أو صحف ، أو غير ذلك من المطويات المملوكات.
فهذا ما عنه سألت من قول الله سبحانه في السموات إنهن مطويات.
معنى قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)
وسألت عن قول الله سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨]؟
فمعنى قوله سبحانه (رَهِينَةٌ) : أي مرتهنة ، ومعنى مرتهنة : مأخوذة ، ومعنى مأخوذة : هو مجازاة بعملها ، مكافاة على فعلها. فأخبر سبحانه أن كل نفس بكسبها مأخوذة ، وكسبها فهو عملها ، وأخذه لها سبحانه بعملها فهو انفاذ وعده ووعيده لها : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٨٩ ـ ٩٠] ، (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الأنعام : ١٦٠].