وكذلك يستبين منه الغضب والرضى ، والسرور والغم ، يبين كل واحد من هذه الأشياء في وجه صاحبه ، حتى يعرفه أهل الفطنة والفهم ، بما يظهر من شواهده في وجه مضمره ، وكل يتبين الفزع والرعب في وجه المرعوب والفزع لمن كان ذا فطنة ، فكذلك وعلى ذلك وبالشواهد في وجوه أولئك يعرف إبليس اللعين ما أضمره صاحب المعصية والخطيئة من الآدمي ـ دانى قلبه وقاربه ولاصقه. وإبليس فهمّه وإرادته ومعناه المعصية واللعنة ، فإذا قارب هذا الشكل من إبليس شكل المعصية التي هي في قلب الآدمي ، قويت نية الآدمي بالمعصية ، لمقاربة ما في قلبه من المعصية لشكله ، وهو إبليس ، فيقوى الشكل بمقاربة شكله ، والجنس بمقاربة جنسه ، كما يقوى كل شيء بمداناة مثله أو مقاربة شكله.
فهذا معنى وسوسة إبليس ، هو بالمقاربة والمداناة ، لا بالمكالمة والمناجاة. ومثل قوة المعصية في قلب الآدمي بمداناة شكلها من هذا اللعين الجني مثل الجمر ؛ جعلت منها في بيت فيه جماعة خمسين رطلا جمرا متوقدا يقد بعضه في بعض ، ثم أتيت بمائة رطل أخرى جمرا متوقدا فألقيته إلى جنب ذلك الجمر الأول ، فقوي عمل الأول بعمل الآخر ، وقوي عمل الآخر بعمل الأول ، واشتد عملهما وصعب أمرهما ، حتى لا يطيق من في البيت أن يجلس فيه ولا يقوم ، مع شدة ما فيه من حر النار وتلهبها ، وقوة بعضها ببعض ، فقوي عمل الجزءين لمقاربة أحدهما لصاحبه ، إذ هما شكل واحد ومعنى واحد ، ولو أفرد كل واحد منهما وفرق بينهما لم يكن عملهما متباعدين كعملها متقاربين. فعلى هذا ومثله من قوة الشكل بشكله تكون وسوسة إبليس لصاحبه الآدمي ، المضمر لما أضمر إبليس ، المشاكل له بالإضمار في عمله ، والمقارب بإضماره له في فعله ؛ فافهم معنى ما ذكرنا من معاني الوسوسة ، وفطنة إبليس لما يفطن به في الأدمي من المعصية.
وقد قال غيرنا في ذلك بأقاويل ، فزعموا أنه يجري في الآدمي مجرى الدم (في الأبشار) (٥٦٩) فاستحال ذلك عند من فهم ؛ ، لأنه لا يجوز أن يدخل جسم في جوف جسم ، فيجري في عروقه ، ويجتمع في بدن واحد روحان ، روح ساكن ، وروح متحرك.
__________________
(٥٦٩) زيادة من (ب).