وهو الحديد الأول لم يتغير ولم يبدل ، وإنما المتغير منه تصاويره وتقاديره ، ونقل أحواله ومقاديره ، فهو الحديد الثابت يجعل مرة سيفا كما ذكرنا ويقلب ثانيا صنفا من الصنوف التي ذكرنا ، فهو وإن تغيرت أحواله ، واختلفت مجعولاته ، فهي الحديدة المعروفة الأولة ، الأصلية المفهومة.
وكذلك ما ذكر رب العالمين ، في تبديله السموات والأرضين ، فهو نقله لهما من حالة في التصوير إلى حالة ، ومن صفة في التقدير إلى صفة ، وهن في أصلهن اللواتي كن لم يبدل أصلهن ، ولم يحل ولم ينقل عما كان ولم يزل ، فافهم ما أجبناك به فيما عنه سألت وفسرناه لك فيما شرحت وقلت.
هل العمل من الإيمان؟
وسألت فقلت : من أين يلزم أهل القبلة الكفر وقد سماهم الله مسلمين ومؤمنين؟
الجواب في ذلك يطول ويكثر ، وسنجيبك عليه إن شاء الله بجواب مختصر نجمل لك فيه المعنى ، ونوقفك على الاستواء حتى تفهم في ذلك مرادك ، ويتبين لك إن شاء الله جوابك ، بأصل جامع لهذه الأشياء لا يدفعه إن شاء الله أحد من العلماء.
من ذلك أنا وجدنا الله تبارك وتعالى ألزم من ألزمه من أهل الكبائر القتل على ما يجترم من كبائر عصيانه ، وكذلك فعله فيمن قتل مؤمنا ظلما متعمدا ، وكذلك حكمه فيمن قطع الطريق ، وسفك الدماء ، وكذلك حكمه فيمن عاند أئمة الحق من الباغين ، فأوجب عليهم الحرب والقتال ، والقتل والنكال ، حتى يفيئوا إلى أمر الله ، ويرجعوا إلى حكم الله. فلما وجدنا حكمه سبحانه ـ فيمن بغى من أهل القبلة وتعدى ـ القتل والقتال حتى يرجعوا إلى الحق في كل قول وفعال ، علمنا أنهم في ذلك الوقت ـ وقت وقوع القتل بحكم الله عليهم ووجوب الهلكة فيهم ـ لله أعداء مباينون ، وحرب لله سبحانه محاربون ؛ لأنه سبحانه لا يوجب الحرب والقتل على ولي من أوليائه ، ولا يحكم به سبحانه إلا على عدو من أعدائه ، ولم نجد الله سبحانه عادى إلا كافرا ، ولا والى إلا مؤمنا. فلما أن قتلهم بحكمه ، ومثّل بهم سبحانه بأمره ، علمنا أنهم من الموالاة أبرياء ، وأنهم له بأحق الحقائق