إقامة الحد على من لم يشمله عطاء الإمام
وسألت فقلت : كيف تقيم الحد على من لم تشمله جزايتك من العطاء والكسوة ، ولم يستمع ما فيه حياته من العلم؟
وهذا قول مختلف ؛ لأن معنى من لم ينله الإحسان من العطاء والكسوة في مضيّ الحكم عليه خلاف من لم يسمع ما فيه حياته من العلم والهدى ، وسنبين لك إن شاء الله القول في المعنيين ، ونوضح لك القول في المسألتين ، ونوضح لك فعل الإمام في الحالين.
فأما من لم تبلغه الدعوة ، وتقم عليه بذلك الحجة ، ويعلم ما يحل وما يحرم ، وما يجب به عليه الحد عند الإمام ، فلا نذيقه بأسنا ، ولا نقيم عليه حدودنا ، حتى نعلمه ما به تقوم عليه الحدود ، وتلزمه العقوبات اللازمة.
فإذا علم ذلك وأتى عليه ، وعرف ما له وعليه فيه ، وأتى قولنا على سمعه ، وثبت إعذارنا وإنذارنا في قلبه ، ثم أتى بعد ذلك ما عنه نهاه الواحد الرحمن ، واجترى على ما يجب فيه الحد في القرآن ، أقمنا عليه بما أوجب الله من الأدب من بعد أن فهم وأبصر ، وأيقن وخبر.
فأما أن نقيم الحدود على من لا يعلم حلالا من حرام ، ولم يقف على ما فيه الحدود من الآثام ، فليس ذلك قولنا ، ولا ـ ولله الحمد ـ طريقتنا ، وكذلك فعل الله في خلقه وحكمه على بريته ، وحجته على خليقته ، فلا تقع ولا تجب إلا بعد تعريف الله عباده إياها ، وإيقافه لهم عليها.
فأما ما قلت من إقامة الحد على من لم ينله منا الكسوة والعطاء ، فليس الكسوة والعطاء يوجبان حجة. والحدود ماضية على من لم ينل ذلك منا من بعد ما ذكرنا من التفهيم له ، والهداية إلى الحلال والحرام والتوقيف ، ولسنا ندفع عنه بعد تعريفه ما يجب عليه فيه الآداب حدود الله ببطء ما يؤمل منا من الرفد في كل الأسباب ؛ لأن الرفد ، وإن أبطأ مصيره إليه ، لا يدفع عنه حدا إن وجب في حكم الله عليه.
وكيف يندفع عنه حكم الله الجاري عليه على يدي الإمام في أمر يلزمه الحكم عليه في الآخرة عند ذي الجلال والإكرام ، والمعنيان كلاهما من الله حكم لازم على الفاعل؟ فكيف