ولا يتفكر ، ولا يحسن التمييز في أثر صنع الله ، فيعلم بأثر صنعه ما يستدل به على قدرته ، ويصح لربه ما يجب بمعرفته من توحيده ، والإقرار بربوبيته.
وأما قوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [الرحمن : ٦] ، فقد قال بعض العلماء : إن معنى السجود سجود ظلال الأشياء ووقوعها على الارض. وقال بعضهم إن هذا على المثل يقول : إنه لو كان في شيء من الأشياء من الفهم والتمييز مثل ما جعل الله في الآدميين والشياطين والملائكة المقربين إذا لعبد الله كل شيء وسبحه بأكثر من عبادة الآدميين وتسبيحهم. فجعل هذا مثلا كما قال سبحانه : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب : ٧٢] أراد تبارك وتعالى أنه لو كان في السموات والأرض والجبال من الفهم والتمييز ما في الآدميين ، ثم عرض عليها ما عرض على الآدميين من حمل الأمانات التي قبلها الآدميون ؛ لأشفقت السموات والأرض والجبال من حملها ، ولما قامت بما يقوم به الآدمي من نقضها ، مع ما في الأمانة من الخطر وعظيم الأمر على من لم يؤدها على حقها ، ويقم بها على صدقها.
والأمانة على صنوف شتى : فمنها قول الحق وفعله ، ومنها أداء الشهادة على وجهها ، ومنها أداء الحقوق إلى أهلها من النبيين والمرسلين والأئمة الهادين ، ومنها الودائع من الأموال وغيرها ، ومنها ودائع العهود والعقود من متابعة المحقين ، ومعاهدة الأئمة القائمين ، ومنها العقود التي قال الله تبارك وتعالى فيها وفيما عظم من خطرها وأجلّ من أمرها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] ، فكل ما ذكرنا فهو أمانة عند العالمين ، واجب عليهم تأديتها عند رب العالمين.
وأحسن ما أرى والله أعلم ، وأحكم في تأويل قوله سبحانه : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) ، أنه أراد بقوله يسجدان ومعنى يسجدان : فهو لما فيهما من التدبير ، وأثر الصنع والتقدير لله الواحد القدير ، فإذا رأى المعتبرون المؤمنون ما فيهما من جليل صنع الله وعظيم جعله لهما ، وما سخرهما له وجعلهما عليه من جولان النجم في الأفلاك ، تارة مصعدا ، وتارة منحدرا ، وتارة طالعا ، وتارة آفلا ، تقديرا من العزيز العليم ، لما أراد من الدلالة على الدهور والأزمان ، والدلالة على عدد الشهور والسنين والأيام للإنسان ، فإذا