رأى ذلك كله مسلم تقي ، أو معتبر مهتد ، سجد له بالمعرفة والإيقان ، واستدل عليه سبحانه بذلك الصنع في كل شأن ، فعبده عبادة عارف مقر ، عالم غير منكر ، فسجد له متذللا عارفا ، مستدلا عليه سبحانه بما أبصر من الدلائل في النجوم عليه.
وكذلك حال الشجر ، وما فيه من عجائب الصنع والتدبير ، وما ركّبه الله سبحانه عليه من التقدير في ألوان ثمارها وطعومها ، واختلاف ألوانها ، وهي تسقى بماء واحد ، وتكون في أرض واحده ، كما قال الله سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد : ٤] ، فكل ذلك من اختلافها دليل على قدرة جاعلها ، ووحدانية فاطرها. فهذا أحسن المعاني عندي ـ والله أعلم وأحكم ـ في يسجدان : أنه يسجد من أثر الصنع فيهما ، وأثر القدرة في تقديرهما كلّ مؤمن عارف بالله ، مقر بصنع الله وحكمته ، يستدل عليه بأثر قدرته. فافهم ما به قلنا في قوله : (يَسْجُدانِ) ، وتفكر فيما شرحنا ، وميز قولنا يبن لك فيه الصواب ، ويزح عنك فيه الشك والارتياب.
علم العبد أنه صادق عند ربه
وسألت فقلت : متى يعلم العبد أنه صادق عند ربه؟
والجواب في ذلك أنه إذا علم من نفسه أنه مطيع لله غير عاص ، صادق غير كاذب ، وقائم بحجته غير مقصر ، ومؤمن لنفسه من عقوبة ربه ، بما يكون منه من طاعة خالقه ، وترك جميع ما يسخط سيده ، فهو ـ إذا أيقن من نفسه بذلك ـ صادق عند ربه ، مقبول ما يكون من عمله محمود في كل فعله.
وسألت عن لقاح العقل؟
وسألت عن لقاح العقل؟
ولقاح العقل فهو التجربة ؛ لأن كل شيء يحتاج إلى العقل ، والعقل محتاج إلى التجربة ومضطر إليها ، غير مستغن عنها.