كان معه في دار هجرته فقراء وأوساطا ، أصحاب اثني عشر وأربعة وعشرين ، وكانت الدراهم تعسر بهم ، ولا يتهيأ في ذلك الوقت معهم ، فكان يأخذ منهم عروضا من ثياب وغيرها بالقيمة التي يقومها من يفهمها ويبصرها. وكذلك فعل من كان بعده أخذوا من أهل الجزية حين وصلوا إلى أهل اليسارة منهم أخذوا الثمانية وأربعين درهما التي ذكرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الله ، وأمر بها فيهم بأمر الله ، وكذلك أيضا لو عسرت اليوم عليهم الدراهم لأخذنا من كل إنسان من تجارته وبضاعته عرضا بقيمة الدراهم ، إذا صح عسرها عليهم ، وثبت امتناعها منهم.
كلام أهل الجنة لأهل النار
وسألت عن كلام أهل الجنة لأهل النار في قولهم : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ). فقلت : أمثل هو مضروب ، أم قول مقول؟ وقلت : هل يقرب بينهما حتى يكلم بعضهم بعضا؟
واعلم ـ هديت ووفقت ـ أنه قول مقول منهم ، وعمل معمول من فعلهم.
فأما ما سألت من القرب بينهم حتى يسمع بعضهم قول بعض ، فليس ذلك كذلك فيهم ، ولا ذلك فعل الله تبارك وتعالى بهم ، وكيف يسمع أهل الجنة كلام أهل النار ، وهم لا يسمعون حسيس النار. فحسيس النار أشد حسا وأبعد صوتا من كلام أهلها الذين ذكر الله عنهم ، وشرح سبحانه أنه يكون منهم ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) [الأنبياء : ١٠٢] ، فأخبر أن المؤمنين لا يسمعون لها حسيسا ، وأنهم عنها مبعدون. وإنما كلامهم لأهل النار ، وكلام أهل النار لهم عند قولهم : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [الأعراف : ٥٠] ، فهو بالرسائل التي تبلغها الملائكة عنهم ، وتمشي بها بينهم ، وذلك منها صلوات الله عليها فبإذن لها من الله فيه ، وتقدير منه سبحانه لها عليه. وإنما جعلهم الله كذلك ، وأذن لهم في ذلك ؛ ليكون ذلك سرورا للمؤمنين ، ومعرفة منهم بما نزل بالمكذبين الضالين ، فيتجدد لهم بذلك البهج والسرور ، وتكثف لهم به الغبطة والحبور ، ويكون من علم أخبار المؤمنين ، وما هم عليه