به من ذهاب ماله في الدنيا فيصبر لله سبحانه على ذلك صبرا حسنا ، فآتاه من الثواب والجزاء أكثر مما لو رد إليه أموال الدنيا ، ويعرفه سبحانه أن ذلك جزاء على ما كان من صبره ، واحتسابه بما ذهب في الدنيا من ماله ، ويستوفي له من ظالمه الفاسق الردي بالزيادة في العذاب الأليم ، حتى يعلم الخائن أن ذلك نزل به خصوصية على مظلمة المؤمن ، ويطلع الله المؤمن على ما أنزل بظالمه ، ويعلمه أن ذلك الذي حل به من الزيادة في العذاب هو من أجل ما غصبه من ماله ، فظلمه به في حقه.
فهذا حال المؤمن المظلوم ، وحال الفاسق الظالم عند الجزاء في الآخرة التي تبقى.
فإن كان الظالم والمظلوم فاسقين ، عذبهما على كفرهما وفسقهما ، وزيد في عذاب الظالم من الفاسقين لصاحبه ، حتى يعلم كلاهما أن تلك الزيادة نزلت بالظالم لتعديه في حكم ربه ، وتناوله لما حرم الله عليه من ظلمه ، ومنع منه من غشمه. فافهم ، هديت ، ما به قلنا ، فيما عنه سألت وشرحنا.
خروج أكثر من إمام في عصر واحد
وسألت عن الأئمة : يخرج واحد واثنان ، وثلاثة وأربعة ، في عصر واحد يكونون أكفياء ، زعمت ، في العلم والجسم والورع ، فقلت : من المستحق منهم؟
واعلم رحمك الله أن الأمر لأفضلهم فضلا ، وأبرعهم معرفة وعلما.
فإن قلت : قد استووا في ذلك ، فلن يستووا ولن يشتبهوا عند من جعل الله له لبا وتمييزا وفهما ، وذلك أنهم إن استووا في الورع فلن يستووا في العلم ، وإن استووا في العلم فلن يستووا في سائر الخصال ، وإن التبس أمرهم في ذلك عند الجهال لم يلتبس أمرهم في التعبير والكلام ، والتبيين والشرح لشرائع الإسلام ، فيكون أولادهم بالإمامة ـ وإن اشتبهوا في العلم والورع والمعرفة ـ أجودهم شرحا وتبيينا وأهداهم إلى تفهيم الرعية ما تحتاج إليه ، وما لا غنى بها عنه ، ولا عذر لها فيه. فمن كان له الفضل في شيء مما ذكرنا ، كان أحق الجماعة بالإمامة من ربنا. فافهم ما قلنا وتبين في مسألتك ما شرحنا.