ومحبته وموالاته مع مودة أعداء الله ومحبتهم ؛ لأن الله عدو للظالمين ، والظالمون أعداء لرب العالمين ، ولن يجتمع ضدان معا في قلب مسلم.
فأما المداراة للظالمين باللسان ، والهبة والعطية ، ورفع المجلس ، والإقبال بالوجه عليهم ، فلا بأس بذلك ؛ لأن الله قد فعل في أمرهم وهم أعداؤه ما فعل ، من جعله لهم جزءا من الصدقات يتألفهم به على الحق ، ويكسر به بعض بلائهم وظلمهم عن الإسلام ، وذلك قوله عزوجل : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) [التوبة : ٦٠] الآية ، فجعل للمؤلفة جزأ وهم أعداء الله وأعداء الإسلام ؛ يكسر حدهم عن المؤمنين ، ويصليهم به نار جهنم وبئس المصير ، ويجعله عليهم وبالا في الآخرة ، ولهم عذاب أليم. وكذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يفعل بالمنافقين الظالمين ، يؤثرهم على من معه من إخوانه المؤمنين ، ويكل إخوانه على إيمانهم ، من ذلك ما فعل في غنائم حنين فرقها كلها على المؤلفة قلوبهم ـ ولم يعط المؤمنين منها درهما واحدا ، ولا شاة واحدة ، ولا بعيرا ـ يتألّفهم بذلك ويكسر عن المؤمنين شر حدهم ، وكذلك كان يفعل بكبراء المشركين إذا كاتبوه وأتوه ، يكاتبهم أحسن (٥٨٣) المكاتبة ، ويفرش لهم ثوبه إذا أتوه يجلسهم عليه ، نظرا منه للإسلام ، ومداراة لهؤلاء الطغام ، عن غير موالاة ولا محبة.
الاستعانة بالظالمين
وقال محمد بن عبيد الله : وسألت الهادي صلوات الله عليه : هل تجوز الاستعانة بالظالمين ، وقلت ما معنى قول الله سبحانه : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) [الكهف : ٥١]؟
فقال : أما ما سألت عنه من قول الله تبارك وتعالى ، فإنما أراد بالعضد : الود المشاور في المبثوث من جميع الأسرار الظاهرة والباطنة ، والمحبوب في السر والعلانية ، المعتقدة ولايته ،
__________________
(٥٨٣) في (ب) : بأحسن.