الله يبغض الحبر السمين.» ، فتوهم من لا فهم له أن معناه البدن الشحم ، فذموا بذلك كل عالم سمين ، وكان صلىاللهعليهوآله قد بلغ من الشحم والسمن غاية ، حتى كان قد جعل في محرابه بالمدينة عودا هو اليوم في المحراب ، وكان إذا نهض بعد السجود أخذ به حتى ينهض من ثقل بدنه ، وكان صلىاللهعليهوآله يتنفل بعض نوافله قاعدا لثقل بدنه ، وهو صلىاللهعليهوآله أحبر الأحبار (٥٩٠) وأفضلها ، وإنما أراد بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الله يبغض الحبر السمين.» ، يعني : الذي سمن من أكل الرشا والحرام.
وكذلك روي عنه عليهالسلام أنه قال : «إن الله يبغض البيت اللحم.» ، فتأول ذلك من لا فهم له أنه البيت الذي يؤكل فيه اللحم كل يوم دائما ، وهذا باطل من التأويل ، كيف يقول ذلك في اللحم وهو يفضله ، ويقول : «أفضل إدامكم اللحم.» وكان يشتهيه ، ويأكله إذا وجده!! وإنما أراد بقوله ذلك ، البيت الذي يؤكل المسلمون فيه ، معنى يؤكل فيه : يوقع فيهم ، ويطعن عليهم ، ويؤذون فيه ؛ ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات : ١٢]. وقد روي عنه صلىاللهعليهوآله أنه لمّا رجم ماعز بن مالك الأسلمي حين أقر بالزنى ، فسمع عند منصرفه الزبير يقول لطلحة : «انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه ، فلم يستر على نفسه حتى رجم مرجم الكلب. فسكت عنهما رسول الله صلى الله عليه حتى مرّ بجيفة حمار شاغر برجله ، فقال لهما : انزلا فأصيبا من هذا الحمار. فقالا : نعيذك يا رسول الله أن نأكل الميتة. فقال لهما : لما أصبتما آنفا من أخيكما أكثر مما تصيبان من هذا الحمار ، إنه الآن ليتقمص في أنهار الجنة.» ، وغير ما ذكرناه عنه في هذا المعنى فكثير غير قليل ، ومعروف غير مجهول ، ولله الحمد يجتزى بقليله عن التطويل بذكر كثيره ، والسلام.
وسألته عن قول الله سبحانه : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٠٢]؟
فقال : هؤلاء أهل التوبة إلى الله من بعد المعصية ، فذكر الله عنهم أنهم عملوا عملا
__________________
(٥٩٠) في (ب) : خير الأخيار.