يقتدي بفعلهم.
المحكم والمتشابه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه :
اعلم أن القرآن محكم ومتشابه ، وتنزيل وتأويل ، وناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، وحلال وحرام ، وأمثال وعبر وأخبار وقصص ، وظاهر وباطن ، وكل ما ذكرنا يصدّق بعضه بعضا ، فأوله كآخره ، وظاهره كباطنه ، ليس فيه تناقض ، وذلك أنه كتاب عزيز ، جاء من رب عزيز على يدي رسول كريم ، وتصديق ذلك في كتاب الله حيث يقول : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : ٤٢] ، ويقول : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢١] ، ويقول : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢].
فإذا فهم الرجل ذلك أخذ بمحكم القرآن ، وأقر بمتشابهه أنه من الله ، كما قال الله سبحانه : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) [آل عمران : ٧] ، ثم بين عزوجل لأي معنى تركوا المحكم وأخذوا بالمتشابه ؛ قال : لابتغاء الفتنة والهلكة ، فلذلك جعل المحكم إماما للمتشابه ، كما جعله حيث يقول : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ).
فالمحكم كما قال الله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] ، و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، و (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] ، ونحو ذلك ، والمتشابه مثل قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢] ، معناها بين عند أهل العلم ، وذلك أن تفسيره عندهم. أن الوجوه يومئذ تكون نضرة مشرقة ناعمة ، إلى ثواب ربها منتظرة ، كما تقول : لا أنظر إلا إلى الله وإلى محمد ، ومحمد غائب ، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، معناه : لا يبشرهم برحمته ، ولا ينيلهم ما أنال أهل الجنة من الثواب ، فعند ما لا ينظر الله إليهم يوم القيامة يراهم.