كتاب المسترشد في التوحيد
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم (٥٦)
لحمد لله الذي علا بطوله ، وجل بحوله الداني في علوه ، والنائي في دنوه رب العالمين ، وفاطر السماوات والأرضين ، الذي بان عن مشابهة المخلوقين ، وتقدس عن مناظرة المحدودين ، المتجلي لعباده الموقنين بما أراهم من بدائع فعله في المربوبين ، بل بما أراهم في أنفسهم من عظيم تدبيره ، وبين لهم فيهم من لطيف صنعه وتقديره ، فكلهم يشهد له ضرورة بالرّبوبية ، وينطق له ويقر بالفعل والأزلية ، كما قال ذو الجلال والسلطان فيما نزله (٥٧) على نبيئه من النور والفرقان حين يقول سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت : ٦١] ، وقال سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت : ٦٣] ، فسبحان الذي علمه بخفيات ضمائر الصدور كعلمه بما ظهر (٥٨) وأنار من الأمور ، الذي لا تخفى عليه الخفيات ، ولا تستتر عنه المستورات ، ولا تحتجب عنه المحجوبات ، ولا تعروه الغفلة والسنات ، ولا تنتظمه بتجديد الصفات ، ولا تنقصه الأيّام والسّاعات ، بادئ خلق
__________________
(٥٦) في (ب) : الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله الطيبين وسلم عليهم أجمعين.
(٥٧) في (ب) : نزل.
(٥٨) في (ب) : بما بان وظهر من الأمور.