بالقرّاء والفقهاء ، أمر ببناء المدارس في الأمصار ، ورغّب في العلم كلّ أحد. سمع الحديث ، وأملى في البلاد ، وحضر مجلسه الحفّاظ.
وابتداء حاله أنّه كان من أولاد الدّهاقين بناحية بيهق (١) ، وأنّ أباه كان يطوف به على المرضعات ، فيرضعنه حسبة ، فنشأ ، وساقه التّقدير إلى أن علق بشيء من العربيّة ، وقاده ذلك إلى الشّروع في رسوم الاستيفاء. وكان يطوف في مدن خراسان ، فوقع إلى غزنة في صحبة بعض المتصرّفين ، ووقع في شغل أبي عليّ بن شاذان المعتمد عليه ببلخ من جهة الأمير جغري ، حتّى حسن حاله عند ابن شاذان ، إلى أن توفّي (٢). وكان أوصى به إلى السّلطان ألب أرسلان ملك بلخ يومئذ ، فنصبه السّلطان مكان ابن شاذان ، وصار وزيرا له ، فاتّفق وفاة السّلطان طغرلبك ، ولم يكن له من الأولاد من يقوم بالأمر ، فتوجّه الأمر إلى ألب أرسلان ، وتعيّن للملك ، وخطب له على منابر خراسان ، والعراق ، وكان نظام الملك يدبّر أمره ، فجرى على يده من الرّسوم المستحسنة ونفي الظّلم ، وإسقاط المؤن ، وحسن النّظر في أمور الرّعيّة ، ورتّب أمور الدّواوين أحسن ترتيب ، وأخذ في بذل الصّلات وبناء المدارس والمساجد والرّباطات ، إلى أن انقضت مدّة السّلطان ألب أرسلان في سنة خمس وستّين. وطلع نجم الدّول الملكشاهيّة وظهرت كفاية نظام الملك في دفع الخصوم حتّى توطّدت أسباب الدّولة ، فصار الملك حقيقة لنظامه ، ورسما للسّلطان ملك شاه بن ألب أرسلان. واستمرّ على ذلك عشرين سنة (٣).
وكان صاحب أناة وحلم وصمت. ارتفع أمره ، وصار سيّد الوزراء من سنة خمس وخمسين وإلى حين وفاته.
حكى القاضي أبو العلاء الغزنويّ في كتاب «سرّ السّرور» : أنّ نظام الملك صادف في السّفر رجلا في زيّ العلماء ، قد مسّه الكلال ، فقال له : أيّها الشّيخ ، أعييت أم عييت؟ فقال : أعييت يا مولانا. فتقدّم من حاجبه أن يركبه جنبيّا ، وأن
__________________
(١) المنتظم.
(٢) قال ابن الجوزي : «فكان يكتب له ، وكان يصادره كل سنة ، فهرب منه ، فقصد داود بن ميكائيل والد السلطان ألب أرسلان».
(٣) المنتظم.