فطمع ابن عبّاد في غرناطة ، وأن يعطيه ابن تاشفين إيّاها ، فعرض له بذلك ، فأعرض عنه ابن تاشفين إلى مرّاكش في رمضان من السّنة. فلمّا دخلت سنة أربع عزم على العبور إلى الأندلس لمنازلة المعتمد بن عبّاد ، فاستعدّ له ابن عبّاد (١) ، ونازلته البربر ، فاستغاث بالأذفونش ، فلم يلتفت إليه.
وكانت إمرة يوسف بن تاشفين عند موت أبي بكر بن عمر أمير المسلمين سنة اثنتين وستّين وأربعمائة. وكانت الدّولة قبلهما لزناتة ، وكانت دولة «ظالمة» فاجرة.
وكان ابن تاشفين وعسكره فيهم يبس وديانة وجهاد ، فافتتح البلاد ، وأحبّته الرّعيّة. وضيّق لثامه هو وجماعته. فقيل : إنّهم كانوا يتلثّمون في الصّحراء كعادة العرب ، فلمّا تملّك ضيّق ذلك اللّثام (٢).
قال عزيز : وممّا رأيته عيانا أنّه كان لي صديق منهم بدمشق ، وبيننا مودّة. فأتيته ، فدخلت وقد غسل عمامته ، وشدّ سرواله على رأسه ، وتلثّم به. هذا بعد أن انقضت دولتهم ، وتفرّقوا في البلاد.
__________________
(١) وفيات الأعيان ٧ / ١٢٨.
(٢) قال ابن خلّكان : وذلك سنّة لهم يتوارثونها خلفا عن سلف ، وسبب ذلك على ما قيل إنّ حمير كانت تتلثّم لشدّة الحرّ والبرد ، يفعله الخواصّ منهم ، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامّتهم.
وقيل : كان سببه أنّ قوما من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا عن بيوتهم فيطرقون الحيّ فيأخذون المال والحريم ، فأشار عليهم بعض مشايخهم أن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية ويقعدوا هم في البيوت ملثّمين في زيّ النساء ، فإذا أتاهم العدو ظنّوهم النساء ، فيخرجون عليهم ، ففعلوا ذلك وثاروا عليهم بالسيوف فقتلوهم ، فلزموا اللثام تبرّكا بما حصل لهم من الظفر بالعدوّ. (وفيات الأعيان ٧ / ١٢٩).
وقال ابن الأثير : وقيل إن سبب اللثام لهم أنّ طائفة من لمتونة خرجوا مغيرين على عدوّ لهم فخالفهم العدوّ إلى بيوتهم ، ولم يكن بها إلّا المشايخ والصبيان والنساء ، فلما تحقّق المشايخ أنه العدوّ أمروا النساء أن تلبس ثياب الرجال ويتلثّمن ويضيّقنه حتى لا يعرفن ، ويلبسن السلاح ، ففعلن ذلك ، وتقدّم المشايخ والصبيان أمامهنّ واستدار النساء بالبيوت ، فلما أشرف العدوّ رأى جمعا عظيما ، فظنّه رجالا وقالوا : هؤلاء عند حريمهم يقاتلون عنهنّ قتال الموت ، والرأي أن نسوق النعم ونمضي ، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجا عن حريمهم فبينما هم في جمع النعم من المراعي إذ أقبل رجال الحيّ ، فبقي العدوّ بينهم وبين النساء ، فقتلوا من العدوّ وأكثروا ، وكان من قبل النساء أكثر ، فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنّة يلازمونه فلا يعرف الشيخ من الشاب ولا يزيلونه ليلا ولا نهارا. (الكامل في التاريخ).