وحكى لي ثقة أنّه رأى شيخا من الملثّمين بالمغرب متردّيا في نهر يغسل ثيابه وهو عريان ، وعورته بادية ، ويده اليمنى يغسل بها ، ويده اليسرى يستر بها وجهه.
وقد جعل هؤلاء اللّثام جنّة ، فلا يعرف الشّيخ منهم من الشّاب ، فلا يزيلونه ليلا ولا نهارا ، حتّى أنّ المقتول منهم في المعركة لا يكاد يعرفه أهله ، حتّى يجعلوا على وجهه لثاما.
ولبعضهم :
قوم لهم درك العلى (١) في حمير |
|
وإن انتموا صنهاجة فهم هموا |
لما حووا إحراز كلّ فضيلة |
|
غلب الحياء عليهم ، فتلثّموا (٢) |
وتزوّج ابن تاشفين بزينب زوجة أبي بكر بن عمر ، وكانت حاكمة عليه ، وكذلك جميع الملثّمين يكبرون نساءهم ، وينقادون لأمرهم ، وما يسمّون الرّجل منهم إلّا بأمّه.
وهنا حكاية ، وهي أنّ ابن خلوف القاضي الأديب كان له شعر ، فبلغ زينب هذه أنّه مدح حوّاء امرأة سير بن أبي بكر ، وفضّلها على جميع النّساء بالجمال ، فأمرت بعزله عن القضاء. فسار إلى أغمات ، واستأذن عليها ، فدخل البوّاب فأعلمها به ، فقالت : يمضي إلى الّتي مدحها تردّه إلى القضاء.
فأبلغه ، فعزّ عليه ، وبقي بالحضرة أيّاما حتّى فنيت نفقته ، فأتى خادمها فقال : قد أردت بيع هذا المهر ، فأعطني مثقالين أتزوّد بهما إلى أهلي ، وخذه فأنت أولى.
فسرّ الخادم وأعطاه ، ودخل مسرورا بالمهر ، وأخبر السّتّ ، فرقّت له ، وقالت : ائتني به. فأسرع وأدخله عليها ، فقالت : تمدح حوّاء وتسرف ، وزعمت أنّه ليس في النّساء أحسن منها ، وما هذه منزلة القضاة. فقال في الحال :
__________________
(١) في وفيات الأعيان : «علا».
(٢) وفيات الأعيان ٧ / ١٣٠.