[سلطنة محمد على بغداد]
ثمّ أسرع محمد إلى بغداد وفي خدمته صاحب الموصل. وكان ببغداد ملك شاه بن بركياروق الصّبيّ الّذي سلطنه الخليفة ، وأتابك الصّبيّ أياز. فبرز وأمّن بغداد ، وتحالفوا على حرب محمد ، ومنعه من السّلطنة (١).
وجاء محمد ونزل بالجانب الغربيّ ، وخطب لديه. ثمّ ضعف أياز والأمراء ، فراسلوا محمدا في الصّلح ـ وليعطي أياز أمانا على ما سلف منه. وتمّ الدّست لمحمّد ، واجتمعت الكلمة عليه ، فاستحلف السّلطان الكيا الهرّاسيّ ، وأقام السّلطان محمد ببغداد ثلاثة أشهر ، وتوجّه إلى أصبهان (٢).
[مقتل أياز أتابك ملك شاه]
وأمّا أياز أتابك (٣) ملك شاه ، فإنّه لمّا سلّم السّلطنة إلى محمد عمل دعوة عظيمة ، في داره ببغداد ، دعي إليها محمدا ، وقدّم له تحفا ، منها الحبل البلخشيّ (٤) الّذي أخذه من تركة مؤيّد الملك ابن النّظّام. وحضر مع السّلطان الأمير سيف الدّولة صدقة بن مزيد. فاعتمد أياز اعتمادا رديئا ، وهو أنّه ألبس مماليكه العدد والسّلاح ليعرضوا على محمد ، فدخل عليهم رجل مسخرة فقالوا :لا بدّ أن نلبسك درعا. وعبثوا به يصفعونه ، حتّى كلّ وهرب ، والتجأ إلى غلمان السّلطان ، فرآه السّلطان مذعورا وعليه لباس عظيم ، فارتاب. ثمّ جسّه غلام ، فإذا درع تحت الثّياب الفاخرة ، فاستشعر ، وقال محمد : إذا كان أصحاب
__________________
(١) ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ١٤٧ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٥٧.
(٢) الكامل في التاريخ ١٠ / ٣٨٤ ـ ٣٨٧ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٥٨ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢١٨ ، دول الإسلام ٢ / ٢٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٦٤ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٩٢ و ٥ / ٣٤ ، ٣٥ ، ابن الوردي ٢ / ١٥ ، مآثر الإنافة ٢ / ١٤.
(٣) أتابك : مصطلح تركي لقّب به أحد كبار أصحاب المناصب ففي عهد السلاجقة : أطلق أوّلا على الوصيّ أو المؤدّب لأمراء الترك الذين كان يعهد بأمر تربيتهم ـ لحداثة سنّهم إلى بعص الأمراء البارزين الذين يمتّون إليهم بصلة القرابة من جهة الأب ، ومن ثمّ كان لقبا ثابتا يطلق على الأمراء الأقوياء. (دائرة المعارف الإسلامية ٢ / ٤٥).
(٤) في الكامل في التاريخ ١٠ / ٣٨٧ «الحمل البلخش» ، ومثله في نهاية الأرب ٢٦ / ٣٥٩ ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٩٣ والبلخش : جوهر يجلب من بلخشان. (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة ، لأدي شير ٢٦).