وطمعوا في دمشق ، وحشدوا وتألّبوا ، وتجمّعوا من الرّها ، وأنطاكية ، وطرابلس ، والسّواحل ، والقدس ، ومن البحر ، وعليهم كندهر الّذي تملّك عليهم بعد بغدوين ، فكانوا نحوا من ستّين ألفا ، ما بين فارس وراجل ، فتأهّب تاج الملوك بوري ، وطلب التّركمان والعرب ، وأنفق الخزائن. وأقبل الملاعين قاصدين دمشق ، فنزلوا على جسر الخشب والميدان في ذي القعدة من السّنة ، وبرز عسكر دمشق ، وجاءت التّركمان والعرب ، وعليهم الأمير مرّة (١) بن ربيعة ، وتعبّوا (٢) كراديس في عدّة جهات ، فلم يبرز أحد من الفرنج ، بل لزموا خيامهم ، فأقام النّاس أيّاما هكذا ، ثمّ وقع المصافّ ، فحمل المسلمون ، وثبت الفرنج ، فلم يزل عسكر الإسلام يكرّ عليهم ويفتك بهم إلى أن فشلوا وخذلوا. ثمّ ولّى كليام مقدّم شجعانهم في فريق من الخيّالة ، ووضع المسلمون فيهم السّيف ، وغودروا صرعى ، وغنم المسلمون غنيمة لا تحدّ ولا توصف ، وهرب جيش الفرنج في اللّيل ، وابتهج الخلق بهذا الفتح المبين (٣).
ومنهم من ذكر هذه الملحمة في سنة أربع كما يأتي ، وانفرجت الكربة من نصر الله تعالى ما لم يخطر ببال. وأمن النّاس ، وخرجوا إلى ضياعهم ، وتبدّلوا بالأمن بعد الخوف.
[قتل الباطنيّة بدمشق]
وفيها قتل من كان يرمى بمذهب الباطنيّة بدمشق ، وكان عددهم ستّة آلاف (٤)
__________________
(١) في الأصل : «سري» ، والمثبت عن : ذيل تاريخ دمشق ٢٢٥ ، والكواكب الدرّية ٩٦.
(٢) في الكواكب : «وتفرقوا».
(٣) انظر عن موقعة جسر الخشب في : تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) ٣٨٢ (وتحقيق سويم) ٤٤ وفيه إن الأمير سيف الدين سوار كان ممن أوقع بالإفرنج ، فبعثت إليه أمدحه بالقصيدة التي أولها :
نأت من سليمى بعد قرب ديارها |
|
وأقوت مغانيها وشطّ مزارها |
وانظر : ذيل تاريخ دمشق ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، والكامل في التاريخ ١٠ / ٦٥٧ ، ٦٥٨ ، ومرآة الزمان ج ٨ ق ١ / ١٣٠ ، ١٣١ ، ودول الإسلام ٢ / ٤٦ ، الدرّة المضيّة ٥٠٣ ، والإعلام والتبيين ٢٥ ، والكواكب الدرّية ٩٦ ، تاريخ طرابلس ١ / ٤٩٣ ـ ٤٩٥.
(٤) المنتظم ١٠ / ١٣ (١٧ / ٢٥٤) ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٣ ، العبر ٤ / ٥٢ ، مرآة الجنان