من الأشاعرة يصرّحون بتكفير من استخفّ بالمصاحف وشيخنا الذّهبيّ غيّر عادته بهم ، وأذن برأيهم ، والحديث في الصّحيح.
وقال يوما على المنبر : قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كيف أصبحت؟ فقال : أعمى بين العميان ، ضالّا بين الضّالّين. فاستحضره الوزير ، فأقرّ ، وأخذ يتأوّل تأويلات فاسدة ، فقال الوزير للفقهاء : ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرّس النّظاميّة : لو قال هذا الشّافعيّ ما قبلنا منه ، ويجب على هذا أن يجدّد إيمانه وتوبته. فمنع من الجلوس بعد أن استقرّ أنّه يجلس ، ويشدّ الزّنّار ، ثمّ يقطعه ويتوب ، ثمّ يرحل. فنصره قوم من الأكابر يميلون إلى اعتقاده ، وكان أشعريا. فأعادوه إلى الجلوس ، وكان يتكلّم بما يسقط حرمة المصحف من قلوب العوامّ ، فافتتن به خلق ، وزادت الفتن ببغداد. وتعرّض أصحابه بمسجد ابن جردة (١) فرجموه ، ورجم معهم أبو الفتوح. وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السّيوف مسلّلة ، ثمّ اجتاز بسوق الثّلاثاء ، فرجم ورميت عليه الميتات ، ومع هذا يقول : ليس هذا الّذي نتلوه كلام الله ، إنّما هو عبارة ومجاز.
ولمّا مات ابن الفاعوس انقلبت بغداد ، وغلّقت الأسواق (٢) ، وكان عوامّ الحنابلة يصيحون على عادتهم : هذا يوم سنّيّ حنبليّ لا أشعريّ ولا قشيريّ ويصرخون بأبي الفتوح هذا. فمنعه المسترشد بالله من الجلوس ، وأمره أن يخرج من بغداد.
وكان ابن صدقة يميل إلى السّنّة ، فنصرهم.
ثمّ ظهر عند إنسان كرّاس قد اشتراها ، فيها مكتوب القرآن ، وقد كتب بين الأسطر بالأحمر أشعار على وزن أواخر الآيات. ففتّش على كاتبها ، فإذا هو مؤدّب ، فكبس بيته ، فإذا فيه كراريس كذلك ، فحمل إلى الدّيوان ، وسئل عن ذلك ، فأقرّ ، وكان من أصحاب أبي الفتوح ، فنودي عليه على حمار ، وشهّر ، وهمّت العامّة بإحراقه. ثمّ أذن لأبي الفتوح ، فجلس (٣).
__________________
(١) في الأصل : «ابن جروة». والمثبت عن المنتظم.
(٢) في الأصل : «الأصوات».
(٣) المنتظم ١٠ / ٦ ، ٧ (١٧ / ٢٤٥ ، ٢٤٦).