على العامل الآمل الآتي بها أن ينوى بذلك خلوص القربة ، ونصوح الإخلاص ، ومحوضة ابتغاء وجه الله الكريم من حيث انّ حكم الشرع في حقّه التقيّة عند المخافة ؛ كما المتيمّم مثلا فرضه التيمّم عند مظنّة الهلاك ومئنّة (١) المرض ، فينوى القربة لا دفاع المرض ، وإن وكان هو بحسب الشرع من أسباب تسويغ التيمّم وإيجابه ؛ وسواء عليه أكان ذلك من باب الرّخصة أم من باب العزيمة؟ فالعامل بالتقيّة يجب أن يكون في طينته (٢) ونيّته بحيث أن لو ساغ له من تلقاء الشرع ترك التقية لم يكن مستحرزا بها لحفظ مهجّته ، ولا متحرّزا من إتلاف نفسه ؛ وإذا كان مستدفعا للضرر (٣) بتقيّته قاصدا بها التحفّظ والدفاع ، دون الإخلاص والقربة ، كان سعيه من اللغو الباطل ، وعمله من الهباء المنثور بتّة.
ثم إنّ أئمّتنا الطاهرين ـ صلوات الله عليهم ـ لم يتّقوا أحدا في إظهار مرتبتهم والإعلان [ب ـ ٦] بدرجتهم ، وكان تثبّطهم (٤) عن طلب حقّهم والقيام بالأمر في رعيّتهم ، واستنقاذ (٥) منصبهم من أيدى غصبة حقوقهم لعوز (٦) الأنصار وفقد الأعوان ، رضى (٧) بما جرى به القلم ، وتسليما لما تأدّى إليه القدر ، وعملا بوصيّة سبقت من رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ، ـ ولم ين أحد منهم ـ عليهمالسلام ـ في تبريز (٨) غوامض العلوم الحقيقيّة وغامضات المعارف الربوبيّة ، وتبيين شرايع الأحكام الدينيّة والحدود الإلهيّة على منهاج التنزيل ومرصاد (٩) التأويل بمصباح العلم والحكمة ومشكاة القدس والعصمة ؛ لا بمعونة مدارسة أو مؤونة ممارسة ، ومن دون مراجعة باب أو مطالعة كتاب ، وما صدر عنهم من
__________________
(١) المئنة : العلامة.
(٢) طينته : ضميره.
(٣) خ : للضرب.
(٤) تثبط : تعوّق ، تريّث.
(٥) الاستنقاذ : التخليص.
(٦) العوز : الضيق.
(٧) خ : يرضى.
(٨) التبريز : الإظهار.
(٩) المرصاد : المكان يرصد فيه ، الطريق.