الإفتاء على قانون التقيّة ، فربّما كانت عضّة (١) من ذلك على سنن التعليم بيانا لتسويغها عند الضرورة ، وثقة منهم بما قد كانوا أوضحوه للمؤمنين من جادّة الحقّ الصريح ، ومحجّة الدّين الحنيف ؛ وعضّة أخرى من جهة أنّ السائل كان مفتونا بمذهبه اللجلج (٢) ، مولعا بدينه الأعوج (٣) ، فهم ـ عليهمالسلام ـ افتوه في مسألته على مذهبه وطريقة (٤) لا ترجى هدايته ، ولا ترقب [الف ـ ٧] استقامته.
وكذلك كان سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ في صدر الأمر والزمن الأوّل ، حيث انّه لم ينهض بالجهاد على خلافته ، ولم يترك طلب حقّه ، ولم يهمل ادّعاء منصبه ، ولصوص (٥) الخلافة ومتقمّصوها (٦) والمتغلّبون بها ، كانوا يطالبونه بالبيعة ، ويقولون له : تبايع ، أو لنضربنّ الّذي فيه عيناك! فكان يقول لهم : أنتم بالبيعة لي أحقّ منّي بالبيعة لكم. وكان يقول : كنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر حقّا ، فاستبددتم علينا. وكان يقول : «أنا أول من يجثو (٧) للخصومة بين يدى الله.» وكان يقول : «واعجبا! أتكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالقرابة والصحابة ، وإنّى احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار (٨)».
وهذه كلّها متّفق على صحّتها ، رواها جميعا البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة حديث العامّة ، وأوردها ابن الاثير في «النهاية» ، ومن العجائب أنهم عن آخرهم متّفقون مع ذلك كلّه على صحّة الحديث عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ «علي مع
__________________
(١) العضة : من «عضا» ، عضّيت الشىء إذا فرّقته وجعلته أعضاء.
(٢) اللجلج : بسكون الجيم وفتح اللامين ، لجلج اللقمة في فيه أى أدارها من غير مضع ، لجلج أى تردّد.
(٣) الأعوج : اعوجّ اعوجاجا أى انحنى ، ضد الاعتدال.
(٤) خ : طريقه.
(٥) اللصوص : جمع اللصّ أى السارق.
(٦) متقمّصوها : تقمّص أى لبس القميص ، ويقال على الاستعارة : «تقمّص الولاية والأمارة» أى لبس ذلك كما يلبس القميص.
(٧) يجثو : جثا أى يجلس على ركبتيه. خ : بحثو.
(٨) «نهج البلاغة» ، الحكم ١٨١ ، ص ١١٧٣ ، ط فيض الإسلام.