الّذي أنزلته على أبيك آدم.
فاعلمن أنّ الالف اللّينة الساكنة مخرجها وراء مخرج الهمزة وهى الألف المتحرّكة ، فمخرج الهمزة أوّل المخارج وأقدمها وأسبقها وأقصاها ، وهو أقصى الحلق. ومخرج الألف الساكنة من الجوف أعلى الجوّ وقصيا الفضاء في جهة العلو ممّا يلى الحنك. [ب ـ ٦٧] وتغاير الحروف انّما يكون بحسب تغاير المخارج ، اذ ذلك ملاك الاختلاف ومناط التغاير ، فيجب عدّهما حرفين من الحروف الّتي هي عناصر الألفاظ.
واذ أسماء الحروف مصدّرة بمسمّياتها الّتي هي الزبر والدرجات ، ثمّ بعدها أولى مراتب البيّنات ، أعني الدقائق ، وهذا الضابط غير متصحّح الانحفاظ بالقياس إلى الالف اللّينة لاستحالة الابتداء بالساكن أو لاستعساره ، فلم يكن بدّ من أن يعتبر ارتدافها لحرف على الائتلاف ، وينزّل الحاصل من التضامّ (١) ، منزلتها كأنّه هي بعينها ليكون تصدير الاسم بذلك سادّا مسدّ التصدير بها ، وقد دريت بما تلى عليك من قبل أنّ العلاقة الارتباطيّة بين الألف واللّام أشدّ العلاقات وأوكدها من جهات عديدة ، وأيضا هما من حروف اسم الذات الاحديّة ، كان عدد الحروف ، اعنى : «كط» مقوّم عدد «ل» ، والألف الساكنة هي التاسعة والعشرون. فلا جرم كان ضمّ الألف الى اللّام هو الأحقّ بالاعتبار ، فاعتبر «لا» في منزلة «ا» ـ أعني الالف اللينة ـ فجعل لام الف اسما [الف ـ ٦٨] لها ، والألف اسما للهمزة ـ أعني الألف المتحرّكة ـ فلا محالة صارت لام الف بهذا الاعتبار حرفا واحدا.
ومن اعتبر الحروف ثمانية وعشرين ـ وهي عدد منازل القمر ، والمرتبة الثانية من الأعداد التامّة والكمال الظهوريّ للعدد الكامل ولحرف عالم النفس بحسب نسبة التأثير والتدبير ـ عدّ الهمزة والالف اللّينة حرفا واحدا ، ولم يجعل مجرّد الاختلاف بالحركة والسكون مصحّحا للتغاير ، فكانّه تذاهل عن تغاير السبيل وتعامى عن اختلاف المخرج (٢).
__________________
(١) التضأم : الاجتماع.
(٢) قوله : «فكانّه تذاهل عن تغاير السبيل وتعامى عن اختلاف المخرج» ، تفصيل المقال : أنّ من يجعل الهمزة المتحرّكة والألف الساكنة حرفا واحدا ، ويعتبر الحروف ثمانية وعشرين يتمسّك بأنّ الحركة والسكون من العوارض والتوابع ، وتوارد العوارض المختلفة على موضوع ليس يستوجب تعدّد الموضوع واختلافه بالذات. وأيضا لو استلزم ذلك اختلافا وتعدّدا لزم أن يكون كلّ من الحروف ـ الثمانية والعشرين