فأمّا قول عالمهم الحافظ البارع الطيّبي (١) في «شرح المشكاة (٢)» حيث قال : «ونعم ما قال الإمام الرازيّ في تفسيره ، نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبّة أهل البيت ، واهتدينا بنجم هدى اصحاب [ب ـ ١٩] النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.» فمن باب تخمير (٣) النار بالهشيم (٤) ، وتغطية لهيبها بالحمم (٥) ، حذرا عن فشوّ الافتضاح ، ومخافة على المذهب من السخافة!!
وهل هذه الدعوى إلّا كما إذا ما حاول اهل الكتاب من اليهود والنصارى ادّعاء أنّهم الذين يحبّون محمدا ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ويتمسّكون به ، دون أمّة إجابته من المسلمين الذين يؤمنون بنبوّته ويدينون بدينه!؟ وكما إذا ما ادّعت متكلّفة المتكلّمين كالأشاعرة مثلا أنّهم بآرائهم السخيفة على مشرع عظماء الفلاسفة كأفلاطن وأرسطاطاليس في فلسفة ما فوق الطبيعة ، دون رؤساء حكماء الإسلام كأبي نصر وأبي علي ، وكما اذا أطبقت الشافعيّة بقول نحن نتّبع أبي حنيفة ، ونتمسّك بمذهبه ، لا الطائفة الحنفيّة المعروفة.
ثمّ إنّ المتمهّر في تتبّع الآثار ، والمتضلّع بالاطلاع على اصول الأحاديث وكتب الأخبار ، من المستبعد جدّا أن يرتاب في القطع بالمباغضة الثابتة الباتّة (٦) المستمرة المتكرّرة من الطرفين بعد رسول الله [الف ـ ٢٠] ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بين أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ وبين الخلفاء الثلاثة ؛ وكذلك بينهم صلوات الله عليهم وبين أمّ المؤمنين عائشة ؛ ولعلّ صحيحى البخاري ومسلم يكفيان في إثبات ذلك ـ فضلا عن غيرهما من الكتب المشحونة ـ بالنقل المتواتر في هذا الباب.
أليس البخاريّ قد روى في باب فرض الخمس وفى باب غزوة خيبر ، وبالجملة
__________________
(١) هكذا في الأصل ، أى بتشديد الياء. ولكن في التراجم «الطيبى» ، بكسر الطاء وسكون الياء.
(٢) لم يطبع ، راجع : «الأعلام» للزركلي.
(٣) تخمير : تغطية ، استتار.
(٤) الهشيم : النبت اليابس المتكسّر.
(٥) الحمم : كل ما احترق بالنّار ، أيضا الرماد ، ولكن في عبارته قدّس سره وجه تعريض.
(٦) الباتّة : القاطعة ، النهائيه.