قال لمّا الحدث الوليد ارتكض (١) في اكفانه وغلّت يداه إلى عنقه ، نستعيذ بالله من عذاب الله.
فأمّا بعد عمر بن عبد العزيز ، فيزيد بن عبد الملك المعروف بالفاسق لمّا ولّى قال : خذوا بسيرة عمر بن عبد العزيز ، فسار بسيرته أربعين يوما ، فدخل عليه أربعون رجلا من مشايخ دمشق وحلفوا بسيرته له أنّه ليس على الخليفة حساب ولا عقاب في الآخرة! وخدعوه بذلك ، فانخدع لهم ؛ وتولّع بالفجور والفسوق ، وكان ولده وليد بن يزيد أوغل منه في المعصية ، فهمّ عمّه هشام بن عبد الملك بقتله لاشتهاره بالفسق ، واستخفافه بالدين ، وانهماكه (٢) في شرب الخمر ، وتظاهره بالمعاصي ، ومجاهرته بالكفر والزندقة ؛ ففرّ منه ، وصار لا يقيم بأرض خوفا منه على نفسه ، بويع له بالخلاف يوم موت هشام ، وهو إذ ذاك بالبريّة فارّا من مخافته ، فنبذ (٣) فى خلافته الآخرة وراء ظهره ، وتوغّل في الولوع بالمنكرات على شاكلة يزيد بن معاوية ، وركب شططا (٤) حتّى أنّه واقع جارية وهو سكران ، وجاءه المؤذّنون يؤذّنونه بالصلاة ، فحلّف أن لا يصلّي بالنّاس إلّا هي ، فلبست [ب ـ ٢٥] ثيابه ، وتنكّرت وصلّت بالمسلمين ، وهي سكرى ، متلطّخة (٥) بالنجاسات على الجنابة. وحكى الأخباريّون والمورّخون أنّه اصطنع بركة من خمر ، وكان إذا طرب ألقى نفسه فيها ، ويشرب منها حتّى يتبيّن النقص من أطرافها.
وحكى صاحب «الكشّاف» والماوردى والدميري أن الوليد تفأل يوما في «المصحف» فخرج له قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (٦) فمزّق «المصحف (٧)» وأنشأ يقول :
__________________
(١) في نسخة المؤلّف وبعض النسخ : ارتكص ، ولكن لم يستعمل في اللغة قطّ. ارتكض : تحرّك واضطرب.
(٢) انهماك : انهمك في امر أى جدّ فيه ولجّ.
(٣) نبذ : طرح.
(٤) الشطط : الجور ، الظلم ، البعد عن الحقّ.
(٥) المتلطّخة : المتلوّثة.
(٦) ابراهيم ، ١٥.
(٧) لم نعثر عليه في «الكشاف».