الثقات يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد جاوز (١) طريق الحقّ وبلغ حدّ الظّلم والفسق ؛ وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللّداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللّذات والشهوات ؛ إذ ليس كلّ صحابيّ معصوما ، ولا كلّ من لقى النبيّ بالخير موسوما ، إلّا أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ذكروا محامل وتأويلات بما (٢) يليق ، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق [ب ـ ٢٦] صونا لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة ، سيّما المهاجرين منهم والأنصار ، والمبشّرين بالثواب في دار القرار.
وأمّا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء تكاد تشهد به الجماد والعجماء (٣) ، وتبكى له الأرض والسماء ، وتنهد منه الجبال ، وتنشقّ له الصخور. ويبقى سوء عملهم على كرّ الشهور ومرّ الدهور ................. أو رضى أو سعى ، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى.
فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللّعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربوا على ذلك ويزيد.
قلنا : تحاميا عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ، كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم (٤) ؛ فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكليّة طريقا الى الاقتصاد في الاعتقاد به (٥) بحيث لا تزلّ الأقدام عن السواء ، ولا تزلّ الأفهام بالأهواء ؛ وإلا فمن الّذي يخفى عليه الجواز والاستحقاق ، وكيف لا يقع عليهما الاتّفاق (٦).» انتهت عبارته بألفاظها.
__________________
(١) خم : جاز عن ، في المصدر : قد حاد عن.
(٢) في المصدر : بها.
(٣) العجماء : مؤنث الأعجم أى البهيمة.
(٤) أندية : مجلس القوم الذي يجتمعون فيه.
(٥) في المصدر : في الاعتقاد وبحيث.
(٦) راجع : «شرح المقاصد» ، ج ٢ / ٢٢٤ ، ط مصر.