ومن المستغرب [الف ـ ٢٧] من إمام أحبارهم وحبر أئمّتهم صاحب كتاب «الملل والنحل» محمّد بن عبد الكريم الشارستاني (١) إذا نطقه الله الّذي أنطق كلّ شيء حيث قال في مقدمات كتابه ، : «المقدّمة الثالثة فى بيان أوّل شبهة وقعت في الخليفة ومن مصدرها فى الاوّل ، ومن مظهرها فى الآخر ؛ اعلم أنّ أوّل شبهة وقعت في الخليفة شبهة إبليس ـ عليه اللّعنة ـ ومصدرها استبداده بالرأى في مقابلة النصّ ، واختياره الهوى في معارضة الأمر ، واستكباره بالمادّة الّتي خلق منها ـ وهي النّار ـ على مادّة آدم ـ عليهالسلام ـ وهى الطين. وانشعبت عن هذه الشبهة سبع شبهات ، وسارت في الخليفة وسرت في أذهان الناس حتّى صارت مذاهب بدعة وضلال ، وتلك الشبهات مسطورة في شرح الأناجيل الأربعة : انجيل لوقا ومارقوس ويوحنّا ومتّى ، ومذكورة في التوراة متفرّقة على شكل المناظرة بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود والامتناع منه. وذكر تلك السبع ، وما نشأت منها من الشبهات في ساير الامم (٢)».
وقال : «إنّها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذور ، وترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالحقّ ، وإلى (٣) الجنوح (٤) إلى الهوى في مقابلة النصّ.» وختم الكلام بقوله : «قال ـ عليهالسلام ـ جملة لتسلكنّ سبل الامم قبلكم حذو القذّة بالقذّة (٥) والنعل بالنعل ، حتّى لو دخلوا [ب ـ ٢٧] حجر ضبّ (٦) لدخلتموه.»
ثم قال : «المقدمّة الرابعة فى بيان أوّل شبهة وقعت فى الملّة الاسلامية وكيف انشعابها ، ومن مصدرها ومن مظهرها ؛ وكما قرّرنا أنّ الشبهات التي وقعت في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أوّل الزمان كذلك ؛ يمكن أن يقرّر في كلّ
__________________
(١) قد اشتهر الشهرستانيّ نسبة إلى «شهرستان» اصفهان ، والصحيح : الشارستانيّ نسبة إلى شارستان نيشابور! (منه).
(٢) «الملل والنحل» ، ج ١ / ٢٣.
(٣) كذا.
(٤) الجنوح : الاقبال.
(٥) قال ابن الاثير في «النهاية (ج ٤ / ٢٨) : «أى كما تقدّر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها تقطع ، ويضرب مثلا فلشيئين يستويان ولا يتفاوتان». القذة : ريش السهم.
(٦) الضبّ : حيوان من الزحافات شبيه بالحرذون.