زمان نبيّ ودور كلّ صاحب ملّة وشريعة ؛ إنّ شبهات امّته في آخر زمانه ناشئة من شبهات خصماء أوّل زمانه من الكفّار والمنافقين ـ واكثرها من المنافقين ـ وإن خفى علينا ذلك في الامم السالفة لتمادي الزمان ؛ فلم يخف من هذه الامّة أنّ شبهاتها كلّها نشأت من شبهات منافقي زمن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى ؛ وشرعوا فيما لا مشرع فيه للفكر ولا مسرى ، وسألوا عمّا منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه ، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه ؛ فهذا ما كان في زمانه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو على شوكته وقوّته وصحّة بدنه ؛ والمنافقون يخادعون ، فيظهرون الإسلام ويبطنون النفاق ، وإنّما يظهر نفاقهم في كل وقت بالاعتراض على حركات النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ وسكناته ، فصارت الاعتراضات كالبذور ، وظهرت منها الشبهات كالزوع ؛ فاوّل تنازع وقع في مرضه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فيما رواه الإمام [الف ـ ٢٨] أبو عبد الله محمّد بن اسماعيل البخاريّ بإسناده عن عبد الله بن عبّاس ـ رضى الله عنه ـ قال : لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الّذي توفّى فيه ، قال : ائتوني بدوات وقرطاس (١) ، أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدي ، فقال عمر : إنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قد (٢) غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط ، فقال النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع. قال ابن عباس : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله (٣).» انتهى كلامه بألفاظه (٤).
وفي كلام إمامهم الآمدي أعلى مضاهاة (٥) ذلك. ونحن نقول : إنّ من تلك الاعتراضات والشبهات ما في صحيحى البخاري ومسلم وسائر صحاحهم واصولهم بما
__________________
(١) في البخارى : ائتونى بكتاب.
(٢) «قد» ليس فى أصل المصدر.
(٣) راجع : «الصحيح» للبخارى ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم ، ج ١ / ١٢٠ ح ١١٢ وكتاب المرضى والعلل ، باب قول المريض ج ٧ / ٢٢٥ ح ٥٧٤. وأيضا انظر : «السبعة من السلف» ، ص ٤٩ ـ ٥٦ بمصادر عديدة.
(٤) «الملل والنحل» ، ج ١ / ٢٠.
(٥) المضاهاة : المشاكلة والمشابهة.