خرّجناه باذن الله سبحانه.
وهذا الباب لعظيم جدواه في مذهب المعرفة ومنهل الايمان ، قمين (١) بركض (٢) النظر في سبيل مغزاه ، محقوق [ب ـ ٣١] ببسط القول في تحصيل معناه ، ردّا على اليهود فى استنكارهم كتاب المحو والاثبات في الاحكام التكوينيّة ، وجواز النسخ والتبديل في الحكام التشريعيّة ، وذبّا عن حريم الدين ، ودفعا لطوارق الشّك عن سبيله من اعتراض المخالفين ؛ فلنبذل فيه المجهود ابتغاء لوجه الله الكريم ، مستوفقين من المهيمن الفيّاض الحقّ المبين.
فنقول البداء ممدود على وزن السماء ، وهو في اللّغة اسم لما ينشأ للمؤمن الرأى في أمر ، ويظهر له من الصواب فيه ، ولا يستعمل الفعل منه مفطوما عن اللّام الجارّة ، وأصل ذلك من «البدوّ» بمعنى الظهور ؛ يقال : بدا الامر يبدو بدوّا أى ظهر ؛ وبدا لفلان في هذا الأمر بداء ، أى نشأ وتجدّد له فيه رأى جديد يستصوبه ؛ وفعل فلان كذا ثمّ بدا له ، أى تجدّد وحدث له رأى بخلافه ، وهو ذو بدوات بالتاء ، قاله الجوهرى في «الصحاح (٣)» والفيروزآباديّ في «القاموس» (٤) وصاحب «الكشّاف» في «أساس البلاغة (٥)» وذو بدوان بالنون ، قاله ابن الاثير في «النهاية (٦)» لا يزال يبدو له رأى جديد ، ويظهر له أمر سانح ، ولا يلزم ان يكون ذلك البتّة عن ندامة وتندّم [الف ـ ٣٢] عمّا فعله ، بل قد وقد ، وربّما وربّما ، اذ يصحّ أن تختلف المصالح والآراء بحسب اختلاف الأوقات والآونة ، فلا يلزم أن لا يكون بداء الّا بداء تندّم.
وأمّا بحسب الاصطلاح فالبداء منزلته فى التكوين منزلة النسخ في التشريع ، فما في الأمر التشريعي والأحكام التشريعيّة التكليفيّة والوضعية المتعلّقة بأفعال المكلّفين نسخ ،
__________________
(١) قمين : جدير.
(٢) ركض : حركة.
(٣) «صحاح اللغة» ، ج ١ / ٣٥.
(٤) «قاموس اللغة» ، ج ١ / ٨.
(٥) «اساس البلاغة» ، ص ٣٤.
(٦) «النهاية» ، ج ١ / ١٠٤.