وهو بعلوّ مجده متعال عن الزمان والدهر ، وأنّ الحركة ماهيتها التدريج والسيلان ، والزمان حقيقته امتداد التقضّي والتجدّد ، وهما باتّصالهما موجودا في الواقع بهويّة امتدادية غير قارّة ، يمتنع بالنظر الى نفس ذاتها أن [الف ـ ٣٤] يجتمع جزءان من أجزائها ، أو حدّان من حدودها في حدّ واحد ، والحوادث الزمانيّة متخصّص كلّ منها بحدّ بعينه من حدود ذلك الامتداد ، لاستحقاق ماديّ وامكان استعداديّ ، والله سبحانه هو الجاعل المخرج للمبدعات والكائنات جميعا من كتم العدم الصريح إلى الوجود في الدهر الذي هو وعاء الزمان ؛ أمّا المبدعات ففي متن الدهر ؛ وأمّا الكائنات فكلّا منها في وقت الذي هو حدّ من حدود الامتداد الزماني الواقع في متن الدهر.
كلّ مبدع له ضربان من الحدوث الذاتي والدهري ؛ وكلّ كائن له انحاء الحدوث الثلاثة : الذاتيّ والدهريّ والزمانيّ ، جميعا ؛ ولا يتوهّم في الدهر امتداد وسيلان وتقضّ وتجدّد. ولو لا الحركة والزمان لم يكن يتصحّح حدوث زمانيّ ، ووجود مسبوق بعدم يوصف بالامتداد والاستمرار (١) أصلا ؛ فالتسابقات والتعاقبات والتقدّمات والتأخّرات بين الزمانيّات إنّما هي بحسب امتداد الزمان وبقياس بعضها إلى بعض في ذلك الامتداد ، لا بحسب متن الدهر ، ولا بالنسبة الى من يتقدّس ويتعالى عن عالمى الزمان والمكان وهو بكلّ شيء محيط.
وهذه المفاحص (٢) قد استبانت في [ب ـ ٣٤] حكمة ما فوق الطبيعة ، ونحن قد أوفيناها حقّها من البيان في صحفنا الحكميّة ولا سيّما كتاب «الإيماضات والتشريقات» وكتاب «خلسة الملكوت».
فاذا الثابتات والقارّات والمتغيّرات والمتجدّدات التدريجيّات والدفعيّات والزمانيّات الغير المنطبقة على امتداد الزمان بقضّها (٣) وقضيضها ، (٤) وصغيرها وكبيرها ،
__________________
(١) قوله : «بالامتداد والاستمرار» ، الأولى تبديل «الاستمرار» بالتقضّي والسيلان التصرّمي ؛ فافهم. (نورى).
(٢) المفاحص : جمع مفحص : الموضع الذي تفحص القطاة التراب عنه لتبيض فيه.
(٣) قضّ : صغار الحصى.
(٤) قضيض : جميع.