رطبها ويابسها ، مجعولة الجاعل الحقّ ومخلوقة الخلّاق على الاطلاق. وليس ابداعه وايجاده وصنعه وافاضته بشيء من الأشياء تدريجيّا كما شاكلة الحركة القطعيّة وما على سنّتها ؛ ولا دفعيّا كما الشأن فى الآنيّات والحصولات الآنيّة ؛ ولا زمانيّا حاصلا في الزمان ؛ لا على سبيل الانطباق عليه كما الأمر في الحركة التوسطيّة (١) وما على شاكلتها ؛ بل على نحو آخر وراء سبيل الوهم ، متقدّس عن ذلك كلّه.
وكلّ ثابت وقارّ وتدريجيّ ودفعيّ وزمانيّ حصوله في نفس الزمان من دون الانطباق عليه فهو من فيضه وصنعه ومن تلقاء ايجاده وافاضته ؛ فايجاده وافاضته للمفارقات المحضة والعقول القدسيّة من بعد العدم الصريح «ابداع» ، وللأجرام السماويّة «اختراع» ، وللكائنات المسبوقه بالعدم الممتدّ والمرهونه [الف ـ ٣٥] بالامكان الاستعداديّ «تكوين».
واذا دريت ذلك وتعرّفته انصرح لك أنّ قول اليهود قد فرغ من الأمر انّما كان يعقل لو كان في اقليم الدهر ، وفي حريم جناب الربوبيّة امتداد موهوم وحدود مفروضه ، فيكون الصنع والايجاد في حدّ والفراغ والتعطيل في ساير الحدود ، وذلك من اختلاف الاوهام السوداوية وتهويشات (٢) القرائح الظلمانيّة ، انّما الأمر هنالك على سنن الثبات الصراح وسنّة الفعليّة المحضة ، فهناك أبديّة الفيض والصنع ودوام الفيّاضيّة والفعّاليّة ، من دون تصوّر فراغ وتعطيل ، ولا توهّم امتداد وسيّاليّة ؛ والأشياء كلّها مخلوقه له ، فائضة عنه جلّ سلطانه في الآزال والآباد على الاستمرار الدهريّ والاتّصال الواقعيّ على سنّة متعالية عن مسالك (٣) الأوهام ، وراء الاستمرار السيّال والاتّصال الامتداديّ ، (قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (٤).
فأمّا كلام النظّام على ما نقله صاحب «الملل والنحل» فلو كان لم يعن بقوله «دفعة
__________________
(١) قوله : «كما [الأمر] في الحركة التوسطيّة» غير مطابق وغير ملائم لمشربنا ـ مشرب اخوان الصفا ـ فانّها شأن دهريّ ، مرتفع صقعه عن افق الزمان. (نورى)
(٢) تهويشات : خلط.
(٣) خ ، مسلك.
(٤) المائدة ، ٦٤.